الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } * { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } * { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } * { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } * { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ }

قوله - عز وجل -: { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } فكأنهم سألوا: متى تكون الواقعة والحاقة والقارعة؟ فأخبر عن ذلك بقوله: { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ * وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } ، فجوابهم في قوله: { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [ثم] قد بيّنا أن الأسئلة كلها خرجت [على بيان الوقت، والله - تعالى - لم يبين لهم وقت كونه، وإنما أجاب] عن الأحوال التي تكون في ذلك الوقت؛ لما لا فائدة لهم في تبيين وقته، ولا حاجة إلى معرفته، وإنما الفائدة في تبيين أحواله؛ لما يقع بها الترغيب والترهيب، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } فجائز أن يكون على حقيقة النفخ.

واحتمل أن يكون على قدر نفخة واحدة؛ فتكون فائدته ذكر سهولة أمر البعث على الله - تعالى - لأن قدر النفخة مما يسهل على المرء في الشاهد، ولا يتعذر.

وجائز أن يكون ذكر النفخ؛ لما أن الروح تدخل في أجسادهم، وتنتشر فيها، وذلك عمل النفخ؛ لأن الريح إذا نفخت في وعاء سرت فيه وانتشرت، فكنى عن دخول الروح في الجسد بالنفخ؛ إذ ذلك عمله، وكنى بالنفخ عن خروج الروح من الأجساد لهذا، وعلى هذا تأويل قوله:فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [التحريم: 12] ليس على حقيقة النفخ؛ ولكن عمل الروح فيها عمل النفخ، فقيل ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فِي ٱلصُّورِ } قيل: الصور: هو القرن ينفخ فيه النفخة الأولى؛ فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ [فيه] مرة فإذا هم قيام ينظرون.

ومنهم من يقول: أي: نفخ الروح في صور الخلق؛ لكن جمع الصورة: الصور، بنصب الواو؛ فلا يحتمل أن يكون المراد منه: جمع الصورة، لكنه يجوز أن يكون الله - تعالى - جعل نفخ الصور سبباً لإفنائهم وإحيائهم، لا أنه يعجزه شيء عن الإفناء والإحياء ما لم ينفخ في الصور، لكنه جعله سبباً لنوع الحكمة والمصلحة أو لمحنة ذلك الملك والابتلاء؛ على ما عرف من أنواع المحن في الملائكة من إنزال المطر، وتسيير السحاب، وجعلهم الموكلين على أعمال بني آدم، وغير ذلك.

وقوله: { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } كسرتا كسرة واحدة.

وقيل: هدمتا هدمة واحدة.

وقال بعضهم: زلزلتا زلزلة واحدة؛ فكأنه يقول - والله أعلم -: تتزلزل الأرض، فتقذف ما في بطنها من الفضول، وتخرج ما فيها من الجواهر التي ليست منها بتلك الدكة، وتخرج أصول الجبال منها، ثم يجعله الله - تعالى - كثيباً مهيلاً مثل الرمل، ثم يُعْمِل عليه الريح فيجعله هباء منثوراً، وتراه من لينه كالعهن المنفوش، ثم يسير مثل السحاب، فيقع في شعاب الأرض والأودية والأماكن المختلفة؛ فتصير الأرض كما قال - تعالى -:

السابقالتالي
2 3 4