الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } * { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } * { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } * { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } * { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ }

قوله - عز وجل -: { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ }.

قال جعفر بن حرب: { ٱلْمَفْتُونُ } في هذا الموضع هو المفتون بضلالته، المعجب بخطئه المشغوف بجهله.

وقال الحسن: { ٱلْمَفْتُونُ } هو الذي معه الشيطان.

وقيل: { ٱلْمَفْتُونُ } من به الفتنة كما يقال: فلان لا معقول له، أي: ليس له عقل.

وقيل: { ٱلْمَفْتُونُ }: المعذب؛ كقوله - عز وجل -:يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذاريات: 13] أي: يعذبون؛ فكأنه يقول: ستعلمون أيكم المعذب؟ وأيكم الضال؟ إن حمل على ما ذكر الحسن، وأيكم المغتر إن كان معناه على ما ذكروا أن المفتون من الفتنة.

وجائز أن يكون نسبوه إلى الاغترار فيما كان يدعي من الرسالة، ويزعمون أنه مغتر بها، ويغر بها غيره كما قال المنافقون:مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } [الأحزاب: 12]، فحق هذا عندنا ألا يتكلف تفسيره؛ لأنه قال: { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } ، فذكر هذا جوابا عما وقعت فيه الخصومة، فكانوا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المفتون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنهم هم المفتونون، فخرج هذا جوابا عن تلك الخصومة: أنهم وأنت ستبصرون، وقد وقعت الخصومات من أوجه:

فمرة كانوا يدعون أنه ساحر، ومرة [كانوا] يدعون أنه مجنون، ومرة بأنه ضال، ومرة أنه مفتر وغيرها من الوجوه، فإذا ثبت أن الآية نزلت في حق الجواب فما لم يعلم بأن الخصومة فيم كانت، لم يعلم إلى ماذا يصرف الجواب، والله أعلم.

ويشبه أن تكون الخصومة الواقعة في الضلال والهدى، فكانوا يدعون أنهم على الهدى، وأنهم بالله أحق وإليه أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعي أنهم على الضلال، وأنه على دين الحق والهدى، يدل على ذلك ذكر الضلال والهدى بعد ذكر المفتون، وهو قوله: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }.

ثم هذه الآيات كأنها نزلت جوابا من الله تعالى عما كان يحق لمثله الجواب [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] ولكن الله تعالى لما امتحن رسوله صلى الله عليه وسلم بالعفو والإعراض عن المكافأة في الجواب، تولى الله تعالى الجواب عنه بقوله - تعالى - { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ } ، [أي: قد تعلمون أن ربكم أعلم] { بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } ، وسنبين لكم ذلك.

وقوله - عز وجل -: { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } ، وقال في موضع آخر:وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } [الإنسان: 24]، ليس في قوله: { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أمر من الله تعالى بأن يطيع المصدقين؛ لأن من صدقه وآمن به [لا يجوز له] أن يتقدم بين يديه فيأمره أو ينهاه عن أمر، ويدعوه إلى الطاعة، بل ينظر إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهيه؛ فيأتمر بأمره، ويطيعه فيما يدعوه إليه، وأما من كذبه، فقد يدعوه إلى طاعته؛ فخص ذكر المكذب عندما نهاه عن طاعته؛ لأن الدعاء إلى الطاعة لا يوجد من المصدق دون أن يتضمن قوله: { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أمرا بطاعة المصدق؛ وهو كقوله - تعالى -:

السابقالتالي
2 3 4 5