الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } * { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } * { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ }

قوله - عز وجل -: { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ }.

قيل: تعالى وتعاظم، و { تَبَارَكَ } تفاعل من البركة، والبركة كناية عن نفي كل عيب؛ قال - عز وجل -:وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً } [ق: 9] أي: ماء لا كدورة فيه ولا قذر، بل هو ماء مطهر من كل آفة وعيب، فمعنى قوله: { تَبَارَكَ } أي: تعالى من أن يكون له شبيه وعديل، وتعاظم عما قالت فيه الملاحدة ومن أن يلحقه المعايب والآفات.

وقوله: { بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ }.

أي: الذي له ملك الملك؛ لأنه قال في موضع آخر:قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } [آل عمران: 26] [أي: الذي له الملك]، فذكر اليد هاهنا مكان المالك هناك؛ فامتدح - جل وعلا - بملك الملك وكونه مالكا له.

والمعتزلة يقولون بأن مِلْكَ مُلْكِ الكفرة ليس له، وأنه لا يولي الملك للكافر، ويقولون في قوله:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } [البقرة: 258] أن الذي آتاه الله الملك هو إبراهيم - عليه السلام - والهاء تنصرف إليه، لا إلى الذي حاجه، وإذا لم يجعلوا مِلْكَ مُلْكِ الكافر في يده، لم يصر ممتدحا بما ذكرنا؛ لأنه يكون في يده بعض الملك لا كله، وقال في آية أخرى:تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } [آل عمران: 26]، وعلى قولهم يصير الملك في يد من لا يشاء؛ لأنه لا يشاء الملك للكافر، ومع ذلك يوجد فيهم الملك.

ثم ما ينبغي لهم أن يقطعوا القول بأن الله تعالى لا يؤتي الملك للكافر، بل عليهم أن يقولوا: إن كان إيتاء الملك أصلح لهم آتاهم إياه، وإن كان شرّاً لهم لم يؤتهم؛ إذ من مذهبهم أن الله لا يفعل بعبده إلا [ما هو الأصلح] له في الدين والدنيا في حقه، فهذا جملة اعتقادهم، ثم هم لا يعرفون الوجه الذي صار أصلح في كل شيء على الإشارة إليه؛ لأنهم يقولون: في إبقاء إبليس اللعين إلى اليوم المعلوم صلاح، وإن كنا لا نعرف الوجه الذي لأجله صار أصلح، وإفناء الأنبياء والرسل - عليهم السلام - كان أصلح وإن لم نعرف من أي وجه صار أصلح؟! فليقولوا هاهنا بأن إيتاء الملك إن كان أصلح لهم لم يكن له ألا يؤتيهم، وإن كان شرّاً فعليه ألا يؤتيهم؛ لئلا يجعلوا الأمر على النفي.

ثم الملك اسم عام، وهو عبارة عن نفاذ التدبير والسلطان والولاية، والملك هو أن يكون للمالك خاصة في الشيء، لا يتناول من ذلك الشيء إلا بإذنه، وقد يكون المرء مالكا، وليس بملك، وقد يكون ملكا ليس بمالك، فكل واحد من الوجهين يقتضي معنى [غير ما] يقتضيه الآخر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6