الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً }.

يحتمل أن يكون معناه: قوا أنفسكم مما تدعو إليه أنفسكم؛ لأن الأنفس تأمرهم بالسوء وتدعوهم إليه؛ كما قال الله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [التغابن: 14].

وجائز أن يكون قوله تعالى: { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } ، أي: قوها عن الطريق الذي إذا سلكتموه أفضى بكم إلى النار، وقوا أهليكم - أيضاً - عن ذلك الطريق، وذلك يكون بالعمل؛ لأن العمل على ضربين: عمل يفضي بصاحبه إلى الجنة، وعمل يفضي بصاحبه إلى النار، فيكون التقوى في هذا الوجه راجعا إلى الأعمال، وفي الوجه الأول إلى الأنفس.

ويحتمل قوا أنفسكم باكتساب الأسباب التي هي أسباب النجاة عن العطب والهلاك، وأهليكم في أن تعلموهم الأسباب التي هي أسباب الخلاص من النار.

وقال مجاهد: تأويله: قوا أنفسكم [وأهليكم] النار، ثم علمنا وجه الاتقاء بقوله:رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [البقرة: 201].

قال: من التضرع إليه والفزع لديه؛ ليكون هو بفضله يقي عنا النار؛ لما علم ألا نصل إليه بقوى أنفسنا وحيلنا.

وقوله - عز وجل -: { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ }.

فهذا على المبالغة في وصف شدة النار، وأخبر أن شدتها تنتهي إلى هذا في أن صير الناس وقودا لها وكذلك الحجارة، والناس والحجارة لا يتقدان في النار؛ لأن النار إذا عملت في الإنسان حرقته ولم تبقه؛ فلا يصير وقوداً، وكذلك إذا أصابت الحجارة رضَّتها ولاشتها، فيكون فيه تبين شدتها؛ إبلاغا في الزجر.

وجائز أن يكون أريد بالحجارة: التي اتخذوها أصناما يعبدونها من دون الله، فكانوا يعبدونها لتنصرهم وتدفع عنهم العذاب؛ كما قال تعالى:وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } [يس: 74]، وقال:وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 81-82]، أي: تصير عذابا عليها، وهم رجوا أن تكون سببا لخلاصهم؛ فصارت عليهم ضدّاً.

وقوله - عز وجل -: { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ }.

فجائز أن يكون [هذا] وصفهم: أنهم خلقوا غلاظا شدادا.

وجائز أن يكونوا أشداء على الكفار وأعداء الله تعالى، رحماء على أوليائه، ألا ترى إلى قوله تعالى: { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، فبين أن اشتدادهم؛ لمكان الأمر؛ وهو كقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29]، وصفهم بالشدة على الكفرة وبالرحمة على المؤمنين؛ فجائز أن يكون الملائكة كذلك في الآخرة، وفي هذا دلالة أن الملائكة امتحنوا بالأمر والنهي في الآخرة؛ لأن ملائكة الرحمة امتحنوا بإتيان التحف والكرامات إلى أهل الجنة، [وملائكة العذاب] امتحنوا بتعذيب أهل النار وبالغلظة عليهم والشدة، وإذا أمر كل واحد من الفريقين بما ذكرنا، فقد نُهي عن تركه.

السابقالتالي
2 3 4 5