الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قوله - عز وجل -: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } الآية.

والتسبيح يحتمل أوجهاً ثلاثة، وقد سبق ذكره.

وقوله: { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } يحتمل وجهين:

أحدهما: يحتمل الملك: الولاية والسلطان.

والثاني: يقول: { لَهُ ٱلْمُلْكُ } يعني: ملك كل الملوك، كما قال في آيات أخرى:قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ... } الآية [آل عمران: 26]، فأخبر أن ملك الملوك كلها له، وأن من استفاد الملك إنما يستفيده بالله تعالى، وبامتنانه عليه، والله أعلم.

وقوله: { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ }.

يحتمل أوجها ثلاثة من التأويل:

أحدها: أن يقول: { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } يعني: له الثناء الحسن بصفاته العلا وأسمائه الحسنى.

والوجه الثاني: أن يقول: { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } يعني: حمد كل من يحمد، فحقيقة ذلك الحمد له بما أحسن إلى عباده وأنعم عليهم، وذلك معنى قوله:ٱلْحَمْدُ للَّهِ } [الفاتحة: 2] أي: الحمد والثناء الحسن لله تعالى على إحسانه إلينا وإنعامه علينا.

والثالث: أن يجعل معنى الحمد معنى الشكر؛ لأن الحمد قد يستعمل في موضع الشكر.

وقوله - عز وجل -: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

يحتمل أن يكون معناه: وهو على كل شيء أراده قدير، وهو [حجة] على المعتزلة؛ لأن الله - تعالى - لا يزال يمدح نفسه بأنه بصير عليم وأنه على كل شيء قدير، وأقرت المعتزلة بأنه بصير عليم، وأبت عن الإقرار بأنه قدير على أفعال العباد، أو على إصلاح أحد من العباد، وهذا خلاف ما مدح الله [تعالى نفسه به] والله الموفق.

وقوله - عز وجل -: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } ، يحتمل أن يكون تأويله:

فمنكم من يدين بدين الكفر، ومنكم من يدين بدين الإسلام، ودل هذا على أن المعصية والطاعة يجتمعان في دين واحد، وأن المعصية لا تخرجه من دينه؛ لأن المعصية، لم يرتكبها تدينا بها، ولكن لغلبة شهوة أو غضب عليه، وأما الكفر والإيمان فإنه يأتي بهما المرء اختيارا ويتدين بالكفر والإيمان؛ لما عنده أنه حق، وفي هذه الآية دلالة أنه ليس بين الكفر والإيمان منزلة ثالثة، وليس كما قالت المعتزلة: إن صاحب الكبيرة بين منزلتين بين الكفر والإيمان، والله تعالى قسم الناس [صنفين]: فمنهم من خلقه كافرا، ومنهم من خلقه مؤمنا، ولم يجعل فيما بينهما منزلة ثالثة، فلا يجب أن نجعل، والله الموفق.

وفيه أيضاً وجه لطيف سوى ما ذكرنا، وهو أن كل أحد في الدنيا مؤمن وكافر في الحقيقة؛ لأن من كان مؤمنا بالله فهو كافر بالطاغوت، ومن كان كافرا بالله فهو مؤمن بالطاغوت، وإذا كان كذلك، وجب أن يبحث عن معنى قوله: { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } ومعناه عندنا: أن الحقيقة وإن كانت كذلك فالإيمان إذا ذكر مطلقا لم يفهم منه إلا الإيمان بالله تعالى، والكفر إذا أطلق أيضاً لم يفهم منه إلا الكفر بالله تعالى، وإذا كان كذلك، جاز أن يكون لفظ الكتاب خارجا على ما عليه المعهود من المتعارف المعتاد، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3