الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

قوله - عز وجل -: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.

قال بعضهم: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يعني: بأمر الله، وهو قول الحسن.

وقال بعضهم: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يعني: بعلم الله.

وقال بعضهم: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يعني: بمشيئة الله.

ولكل من ذلك وجه:

فأما من قال: بأمر الله، فمعناه وحجته: أن هذه المصائب كلها عقوبات؛ ألا ترى إلى قوله:وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30].

ومعلوم أن جزاء ما كسبت يده عقوبة له، والتعذيب والعقوبة إنما يكون بأمر الله؛ فلذلك قال: معنى قوله: { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: بأمر الله.

لكن عندنا هذا يرجع إلى ما يصيبهم من أيدي الخلق، كقوله تعالى:قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [التوبة: 14]، وقوله:هَلْ تَرَبَّصُونَ... } [التوبة: 52] إلى قوله:أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } [التوبة: 52] ونحو ذلك، وهذه المصائب لا تحتمل [تأويلاً للأمر] من الله تعالى.

ومن قال: بعلم الله، فوجه ذلك: أن هذه المصائب فيها إهلاك العبيد، وفي الشاهد أنه لا يحب أحداً أن يعلم بما فيه هلاك عبيده وخدمه، فأخبر -عز وجل- أن هذه المصائب وإن كان فيها هلاك عبيده فإنما يكون ذلك بعلمه، وأن هلاكهم لا يضره، ولا ينقص من ملكه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- أنشأ ما أنشأ من الخلائق لحاجة لهم، ولمنفعة ترجع إليهم ومضرة تلحقهم؛ فحلول ما يحل بهم من المصائب لا يضره ولا ينفعه [لذلك كان علمها ما ذكر].

ومن قال: بمشيئة الله وإرادته فوجه ذلك: أن الله تعالى وعد وأوعد، ولا محالة يريد من عبيده ما يكون بوعيده عادلا وأن يضع وعده موضعه، وإذا كان كذلك ثبت أنه يريد من كل أحد ما يعلم أنه يكون منه؛ لأنه إذا خلق النار، وأوعد عليها، فلو أراد من كل منهم الطاعة، لكان إذا أحرق بالنار أحرق من أراد منه الطاعة فدخل في حد الجور، ولو كان يريد [من كل منهم] المعصية، لكان إذا أنجز وعده، وأدخله [الجنة، كان يضع ثوابه غير موضعه ويخرج عن حد الحكمة، وإذا كان] كذلك، ثبت أنه أراد من كل ما علم أنه يختاره، ويكون منه ليخرج فعله على الحكمة، والله الموفق.

ونحن نقول: قد ذكر الله تعالى الإذن في مواضع مختلفة، ولكل من ذلك وجه غير وجه صاحبه، فالواجب أن يصرف معناه في كل موضع إلى ما يليق به، والله أعلم.

وقوله عز وجل: { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }.

قال أبو بكر: أي: من آمن بما شاهد من التدبير، يهديه الله تعالى؛ ليعلم أن من دبر هذا التدبير هو الذي ابتلاه بهذه المصيبة.

ويجوز أن يكون تأويله على وجه آخر، وهو أن يقول: من يؤمن بالله أن له الخلق والأمر - يهدِ قلبه؛ ليسكن، ويعلم أن الله أولى به؛ فيسترجع عند ذلك، وذلك تأويل من قرأ { يهدأ قلبه } أي: يسكن؛ من الهدوء وهو السكون، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3