الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله: - عز وجل -: { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا }.

له أوجه من التأويل:

أحدها: يحتمل أن يكون هذا كناية عن العمل، يعني: حملوا ما في التوراة فلم يعملوا بها.

والثاني: أن يقول: { لَمْ يَحْمِلُوهَا } ، يعني: لم يحملوها إلى من أمروا بحملها إليهم على ما أمروا؛ لأنهم حرفوا وبدلوا.

أو يجوز أن يكون تأويله - والله أعلم - أنهم كذبوا التوراة وتلقوها بالعناد والتكذيب فلم ينتفعوا بها، فمثلهم كمثل الحمار [يحمل] كتبا لا يعلم قدرها وخطرها كما قال: { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً }؛ لأنهم وإن عرفوا التوراة فحين لم يعظموها حق تعظيمها، وكذبوا بما فيها، كانوا كأنهم لا يعرفون قدرها وخطرها، فصار مثلهم كمثل الحمار يحمل الكتب، لا يعلم ما قدرها وخطرها؟ وهذا التأويل أقرب؛ لأنه قال في سياق هذه الآية: { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } ، فثبت أن المعنى من الأول التكذيب، والله أعلم.

قال: ثم معلوم أن هذا التكذيب والتحريف إنما كان من عمل كبرائهم ورؤسائهم، فأخبر أنهم كذبوا ولم يعرفوا قدرها حين كذبوا؛ ليزجر متبعيهم عن اتباعهم، ويبين أن رؤساءهم ليسوا ممن يستحقون الاتباع.

وفيه - أيضاً - زجر للمسلمين أن يستخفوا كتاب الله والعمل بما فيه، والله أعلم.

ثم قوله: { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يقول: بئس النعت والصفة صفة الذين بلغ كذبهم مبلغا كذبوا على الله؛ لأن الكاذب في العباد موصوف بالشر، فإذا بلغ كذبه مبلغا يكذب على الله تعالى، علم أنه في النهاية في الشر، فكأنه يقول: صفة الذين كذبوا على الله في الغاية من الشر والقبح.

أو يقول: بئس مثل الذين كذبوا بآيات الله؛ لأن الله تعالى ضرب أمثال المشركين بكل ما يستخبث ويستقبح، وضرب أمثال المؤمنين بكل حسن وطيب، فقال: المثل يعني الشبه الذي شبه الله تعالى به المكذبين بآياته شبه قبيح.

ثم في هذه الآية دلالة أن الله تعالى يخلق القبيح والحسن والخبيث والطيب جميعاً؛ لأن قوله: { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } ، وذلك المثل الذي شبههم به ما خلقه وقد سماه: بئسا، فثبت أن الله تعالى قد خلق الخبيث والطيب والقبيح والحسن، وعند المعتزلة لم يخلق إلا الحسن، فتكون الآية حجة عليهم.

وقوله: { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ، له تأويلان:

أحدهما: أنه لا يهدي القوم الظالمين لوقت اختيارهم الظلم والفسق، أو لا يهديهم بظلمهم الآيات ومكابرتهم وعنادهم إياها؛ فهو لا يهدي هؤلاء، وأما من ظلم عن جهل أو فسق ثم استرشد، فإنه يهديه ويرشده، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }؛ وقال في موضع آخر:

السابقالتالي
2