الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله - عز وجل -: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }.

قال: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ } ، ولم يقل: يسبح الله، وقد جرت العادة في الناس التسبيح بالإله؛ كقولهم: سبحان الله، وسبحان ربي العظيم، فكان حق هذا القول على ما جرت به العادة في اللسان أن يقول: يسبح الله ما في السماوات وما في الأرض، ولكنه يجوز أن يكون هذا من نوع ما يجري فيه اللفظان جميعاً؛ كما يقال: شكره وشكر له، ونصحه ونصح له.

والتسبيح يحتمل أوجها ثلاثة:

أحدها: تسبيح الخلقة: أنك إذا نظرت إلى كل شيء على الإشارة إليه والتعيين، دلك جوهره وخلقته على وحدانية الله تعالى، وعلى تعاليه عن الأشباه وبراءته عن جميع العيوب والآفات؛ فذلك من كل شيء تسبيحه.

والثاني: تسبيح المعرفة، ووجه ذلك: أن يجعل الله تعالى بلطفه في كل شيء حقيقة المعرفة؛ ليعرف الله تعالى وينزهه، وإن كان لا يبلغه عقولنا؛ ألا ترى إلى قوله:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء: 44].

ولكن عندنا بواسطة إحداث نوع حياة فيه؛ إذ المعرفة بدون الحياة لا تتحقق.

والوجه الثالث: هو أن يكون التسبيح تسبيح ضرورة وتلقين، ووجهه: أن الله تعالى يُجري التسبيح على ذلك الجوهر من غير أن يكون له حقيقة المعرفة، كما أظهر من آياته وأعلامه على عصا موسى، وكما أجرى السفينة على وجه الماء، وإن لم يكن لها حقيقة المعرفة؛ وذلك تسبيح كل شيء، والله أعلم.

وقوله: { ٱلْمَلِكِ }.

يعني: الملك الذي له ملك الملوك، أو الذي له الملك في الحقيقة.

وقوله - عز وجل -: { ٱلْقُدُّوسِ } ، له تأويلان:

أحدهما: الطاهر من كل عيب وآفة وحاجة، أو الطاهر مما يحتمله غيره.

والثاني: المبارك، يعني: به ينال كل بركة وخير.

ويجوز أن يجمع في المبارك معنى التنزيه من العيوب ومعنى البركة؛ لأنك إذا وصفته بالبركة فقد وصفته بالبراءة من كل عيب وأضفت إليه كل بركة ويمن؛ كما روي في الخبر أن قول: " سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان " ، وكان معناهما عندنا أن قول: " سبحان الله " يختص بتبرئته من العيوب، " والحمد لله " ينتظم معنى التنزيه من العيوب، ومعنى إضافة النعم كلها إليه، فإذا كان فيه هذان المعنيان جميعاً، جاز أن يمتلئ به الميزان، ولما اختص " سبحان الله " بتطهيره من العيوب، ولم يتعده إلى غيره، أخذ نصف الميزان، والله أعلم.

وكذلك هذا الاختلاف في تأويل قوله:ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ } [المائدة: 21].

وقوله - عز وجل -: { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ }.

العزيز: يعني: الغالب القاهر، لا يعجزه شيء.

أو يجوز أن يكون العزيز مقابل الذليل، والذليل ينتظم كل فقر وحاجة وضعف؛ فالواجب: أن ينتظم العزيز - إذا كان ضدّاً ومقابلا - كل شرف ومكرمة وغناء وقوة، والله الموفق.

السابقالتالي
2 3 4