الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

قوله - تعالى -: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ }.

يحتمل وجهين:

أحدهما: تنبيه لهم، وإعلام عن معاملة اعتادوها فيما بينهم من غير أن يعلموا فيها أذى لموسى - عليه السلام - نحو أن قال في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم:وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [الحجرات: 2]؛ فيجوز أن يكونوا لا يعدون تلك المعاملة أذى لموسى - عليه السلام - ولا يعلمونها؛ فأخبرهم أنها تؤذيه؛ لينتهوا عن ذلك.

والثاني: أنه يجوز أن يكونوا علموا أن ذلك يؤذيه، ولكنهم عاندوه وكابروه، فيخبرهم عن كيف { وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } ، وقد علموا أن حق رسل الملوك التعظيم والتبجيل؛ فكيف رسول رب العالمين؟! فأخبرهم أنه يؤذونه شكاية منهم إليهم.

ثم اختلفوا في الأذى:

فقال بعضهم: أن موسى - عليه السلام - كان لا يكشف عن نفسه؛ فأذوه بأن قالوا: إن في بدنه آفة ومكروها.

وقال بعضهم: إن موسى - عليه السلام - ذهب مع هارون - عليه السلام - إلى جبل، فقبض هارون في ذلك الجبل، فآذوه بأن قالوا: قتل موسى أخاه.

ومنهم من قال: كانوا يؤذونه بألسنتهم حيث قالوا:أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } [النساء: 153]، وبقولهم:ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأعراف: 138]، وبقولهم:لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ } [البقرة: 61]؛ ولكن الوجه أن لا يشار إلى شيء بعينه.

فإن كان التأويل هو الوجه الأول: أنهم آذوه من غير أن يعلموا أن ذلك يؤذيه أن لا يصرف إليه شيء من هذه الأوجه الثلاثة، وإن كان على الوجه الثاني فكذلك، وإن كان على الوجه الثالث جاز أن يصرف إليه أي الوجوه منها، والله أعلم.

ثم حق هذه في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج على وجهين:

أحدهما: أنه يجوز أن يكون بنو إسرائيل آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره الله تعالى أمر موسى - عليه السلام - وإيذاءهم إياه؛ ليكون فيه تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسكين لقلبه.

أو يجوز أن يكون هذا تحذيراً لأصحابه عن أن يرتكبوا ما يخاف أن يكون فيه أذاه - عليه السلام - والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } له معنيان:

أحدهما: أن يقول: { أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } ، يعني: خلق فعل الزيغ في قلوبهم يعني: خذلهم الله، ووكلهم إلى أنفسهم.

قالت المعتزلة محتجين علينا: إن الله تعالى قال:وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } [البقرة: 26] ذكر أنه إنما يضله بعدما فسق، وأنتم تقولون: إنه يضله وهو يهدى؟

قلنا: إن هذا تمويه علينا، وذلك أنا نقول: إن الله تعالى يضله لوقت اختياره الضلال، ويزيغه لوقت اختياره الزيغ، وإذا كان كذلك، لم يلزم ما قالت المعتزلة، مع أنهم يقولون: إن الله تعالى يضله بعد ضلالته بنفسه؛ عقوبة له، ويريد له هدى بعد اهتدائه ثوابا له.

السابقالتالي
2 3 4