الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }.

الإيمان بالله: أن يؤمن بأنه الواحد الأحد، الصمد الفرد، الذي لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ويؤمن بأن له الخلق والأمر، وأنه قادر لا يعجزه شيء، وعليم لا يخفى عليه شيء، وحكيم لا يخرج خلقه الأشياء المختلفة من السراء والضراء، والظلمة والنور، والمرض والصحة، عن حكمته.

وأنه ليس كما قالت الثنوية: إن خالق الظلمة والشر والقبيح غير خالق النور؛ بل يعلمه أنه خالق كل شيء، سواء من ظلمة ونور، وشر وخير، وسقم وصحة.

ولا على شبيه ما قالت المجوس: إن الله تعالى غفل غفلة فتولد منه الشيطان؛ بل هو لا يغفل عن شيء، ولا يخفى عليه شيء.

ولا على ما قالت النصارى: حيث شبهوه بالخلق حتى أجازوا أن يكون له ولد.

ولا على ما قالت القدرية: إنه لا يقدر شيئا من الشر والسقم والوجع.

وعلى ما قالت المعتزلة: إنه ليس له في أفعال العباد صنع وتدبير؛ بل يعلمه عليما بكل شيء، قديرا على كل شيء، متعاليا عن كل شيء من معاني الخلق، متنزها عن كل آفة وحاجة وعيب، فهذا هو الإيمان بالله تعالى عندنا، والله تعالى أعلم.

والإيمان بالرسول: هو أن يؤمن بأن ما جاء به صلى الله عليه وسلم فهو حق وصدق.

وقوله: { وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }.

هذا على وجهين:

أحدهما: أن يقاتلوا أعداء الله تعالى.

والثاني: أن يجاهدوا في طاعة الله تعالى، وفيما دعا إليه من الأمر بالجهاد ينصرف إلى أنواع أربعة:

جهاد في سبيل الله بمقاتلة أعدائه، والاستقصاء في طاعته.

وجهاد فيما بين الإنسان ونفسه أن يجاهد في قهرها ومنعها عن لذاتها وشهواتها، وعما يعلم أنه يهلكها ويرديها.

وجهاد فيما بينه وبين الخلق، وهو أن يدع الطمع فيهم، وأن يشفق عليهم ويرحمهم، وألا يرجوهم ولا يخافهم.

وجهاد فيما بينه وبين الدنيا وهو أن يتخذها زادا لمعاده، أو مَرمَّة لمعاشه، ولا يأخذ منها ما يضره في عقباه.

وكل هذه الأنواع يستقيم أن يسميها جهادا في سبيل الله.

ثم إن هذه الآية تنتظم مسائل ثلاثاً:

إحدها: أن كيف أمرهم بالإيمان بعد قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }؟

والثانية: أن كيف يرجى له النجاة إذا آمن بالله ورسوله، ولم يجاهد في سبيل الله وقد أوجب عليه ذلك؟

والثالثة: أن كيف يخاف عليه العذاب إذا آمن بالله ورسوله، وجاهد في سبيل الله، وأتى بالكبيرة مع قوله: { تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }؟

أما الجواب عن المسألة الأولى: أنه يحتمل أن يكون المراد من هذه الآية أهل النفاق؛ فيكون المعنى من قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في الظاهر، { هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } ، أي: تصدقون بقلوبكم.

السابقالتالي
2 3