الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ }.

المعنى عندنا - والله أعلم -: { إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ } ، يعني: قائلات: إنهن مؤمنات.

{ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ }.

لأنه لو كان على حقيقة الإيمان لم يكن لقوله: { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } معنى، فلما أمر بالامتحان ثبت أن تأويل قوله: { إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ } ما وصفنا بدءاً.

ومثل هذا ما قال:مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } [النحل: 106]، وكان المعنى منه: من تكلم بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان؛ فكذلك يجوز أن يكون المعنى من الأول ما سبق ذكره، والله أعلم.

ثم إن المفسرين ذكروا وصف امتحانهن: أنهن يحلفن بالله ما أخرجهن من دارهن بغض أزواجهن، أو يحلفن أنهن ما أردن بخروجهن أرضا سوى أرضهن؛ وإنما أردن بذلك الإسلام. وهذا تأويل فاسد؛ وذلك أنها إذا أسلمت كان الحق عليها في دينها أن تبغض زوجها الكافر، كقوله - تعالى -:وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [الممتحنة: 4]، فكيف يجوز أن يكون صفة امتحانهن ما ذكروا، وحكم الشريعة والدين يوجب ما كن يفعلنه؟! فلذلك قلنا: إن هذا التأويل - الذي ذكره بعض المفسرين في وصف الامتحان - غير مستقيم.

ويجوز أن يكون تأويل امتحانهن على وجهين:

أحدهما: أن يستوصفن عن الإيمان: ما هو؟ فإذا أخبرن عن حقيقة الإيمان علم أنهن مؤمنات.

والثاني: يعرض عليهن ما على المؤمنات في إيمانهن، كما قال - تعالى -: { وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } ، فإذا قبلن ذلك كله كان ذلك امتحانهن، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { بِإِيمَانِهِنَّ }.

هذا يدل على أن الذي كلف به المؤمنون من امتحانهن؛ إنما هو لما يعلمون من إيمانهن في الظاهر وأن الحقيقة إنما يعلمها رب العالمين، وهذا يبين أن العلم علمان: علم العمل وعلم الشهادة، فعلم العمل: ما يعلمه الخلق في الظاهر فيعملون به، وعلم الشهادة: ما يجوز أن يشهد على الله به، وذلك إنما يوصل إليه، وذلك بما يطلعهم الله عليه نصا إما بكتاب أو بسنة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعلم العمل هو الذي يساغ فيه الاجتهاد، نحو: خبر الآحاد وجهة القياس وغير ذلك.

وقوله - عز وجل -: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ }.

ذكر في القصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح عام الحديبية مشركي أهل مكة على أن من أتاه من أهل مكة فهو عليهم رد، ومن أتى مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو لهم، وغير ذلك، وكتب بذلك كتاباً وهو بالحديبية، فلما فرغ من الكتاب إذ أتت سبيعة مسلمة، فجاء زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رد علي امرأتي؛ فإنك قد شرطت لنا ذلك، وهذه طيبة لم يخف بعد؛ فأنزل الله - تعالى -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } ، يقول: لا تردوهن إلى أزواجهن الكفار.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9