الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

قوله - عز وجل -: { ٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي: ذلك الهدي الذي هدى هؤلاء فبهداه اهتدوا.

وفي الآية [دلالة] نقض قول المعتزلة؛ لأنهم يقولون: إن الله قد شاء أن يهدي الخلائق كلهم لكن لم يهتدوا، وعلى قولهم لم يكن من الله إلى الرسل والأنبياء من الهداية والفضل إلا كان ذلك إلى جميع الكفرة، فالآية تكون مسلوبة الفائدة على قولهم؛ لأنه ذكر أنه يهدي من يشاء وهم يقولون: شاء أن يهدي الكل لكن لم يهتدوا، فإن كان كما ذكروا لم يكن لقوله: { مَن يَشَآءُ } فائدة؛ دل أنه من الخلائق من قد شاء ألا يهديهم إذا علم منهم أنهم لا يهتدون ولا يختارون الهدى، وبالله التوفيق.

وقوله - عز وجل -: { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.

هذا بناء على الحكم فيهم لو أشركوا إلا أنهم [لا] يشركون؛ لأن الله قد عصمهم واختارهم لرسالته واختصهم لنبوته، فلا يحتمل أن يشركوا، لكن ذكر هذا؛ ليعلموا أن حكمه واحد فيمن أشرك في الله غيره وضيعا كان أو شريفاً.

وقوله: { لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }: من الحسنات والخيرات التي كانت قبل الإشراك.

وقوله - عز وجل -: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ }: قيل: الكتب التي أعطى الرسل. { وَٱلْحُكْمَ } قيل: العلم والفقه والفهم.

وقيل: الأحكام التي أعطاهم، والنبوة هي أنباء الغيب؛ وقد ذكرنا [هذا].

وقوله - عز وجل -: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ }.

قيل: { بِهَا } كناية عن أنباء الغيب، والنبوة التي ذكر.

وقيل: { بِهَا } كناية عن الكتب التي أنزلها على الرسل.

وقيل: هي كناية عن الآيات والحجج التي أعطى رسوله.

وقوله: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }.

اختلف فيه قال بعضهم: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا } - يعني: أهل مكة - { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }: أهل المدينة من الأنصار والمهاجرين؛ وهو قول ابن عباس.

وقيل: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } ، يعني: من عد من الرسل والأنبياء.

وقيل: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } ، يعني: أهل قرابتك وأهل وصلتك، فقد وكلنا بها قوماً من غير أهل قرابتك ليسوا بها بكافرين.

وقيل: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ } ، يعني: أهل زمانك، { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً }: من تقدمهم من آبائهم وأجدادهم، { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }.

وقيل: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ } ، يعني: أهل الأرض، { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً } ، يعني: أهل السماء، { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }.

قال الحسن - رحمه الله -: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ } ، يعني: أمتك، فقد وكل الله بها النبيين والصالحين من الأمم الخالية، { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } ، والله أعلم بذلك وهو كما ذكرنا.

السابقالتالي
2