الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ } ذكر محاجة قومه ولم يبين فيما حاجوه، لكن في الجواب بيان أن المحاجة فيما كانت، وهو قوله: { قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ }.

ثم تحتمل المحاجة في الله: في توحيد الله ودينه. وتحتمل في اتباع أمر الله وطاعته.

وذكر في بعض القصة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ }: في آلهتهم وخوفوه بها، وقالوا: إنا نخاف آلهتنا، وأنت تشتمها ولا تعبدها، أن تخبلك وتفسدك. وذلك محتمل؛ وهو كقول قوم هود لهود - عليه السلام -إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [هود: 54].

ثم قال لهم إبراهيم - عليه السلام -: لما [لا] تخافون أنتم منها؟.

قالوا: كيف نخاف ونحن نعبدها؟! قال: لأنكم تسوون بين الصغير والكبير، والذكر والأنثى، أما تخافون الكبير إذ سويتموه بالصغير، وما تخافون الذكر إذ سويتموه بالأنثى؟!

ويحتمل أنهم خوفوه بالله بترك عبادة آلهتهم، لما كانوا يقولون:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]، ويقولون:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18] فخوفوا إبراهيم [بالله] بترك عبادتهم لما كان عندهم أن عبادتهم إياها تقربهم إلى الله زلفى وترك العبادة لها يبعدهم، فقال: { وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } وقد هداني، ولا أخاف مما تشركون به.

ويحتمل قوله: { وَقَدْ هَدَانِ } [ما ذكرنا في قوله { أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } ] الدين والتوحيد وهداني طاعته والاتباع لأمره فقال: كيف أخاف وقد هداني.

وقوله - عز وجل -: { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } هذا يحتمل وجهين.

[الأول]: يحتمل لا أخاف إلا إن عصيت ربي شيئاً، فعند ذلك أخاف، وأما إذا هداني ربي فإني [لا] أخاف بتركي عبادتهم.

والثاني: { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي } إلا أن يبتليني ربي بشيء من المعصية، فعند ذلك أكون في مشيئته إن شاء عذبني، وإن شاء لم يعذبني.

وقوله - عز وجل -: { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }.

أي: علم ذلك كله عنده عصيت أو أطعت.

وقوله - عز وجل -: [ { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ } عن ابن عباس] { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } به من الأصنام { وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً } يقول: عذراً في كتابه { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ }؟ أي: أهل [دينين] أنا وأنتم { أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أني أعبد إلهاً واحداً، وأنتم تعبدون آلهة شتى؟!

وقيل: إنهم كانوا يخوفونه بتركه عبادة آلهتهم وإشراكه إياها في عبادة الله، فقال: وكيف أخاف ما أشركتم أنتم بالله من الآلهة، ولا تخافون أنتم بما أشركتم بالله غيره ما لم ينزل به عليكم سلطاناً؟! أي: حجة بأن معه شريكاً.

السابقالتالي
2 3