قوله - عز وجل -: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ }. قيل: آزر: هو اسم أبي إبراهيم، عليه السلام. والحسن يقرأ: { آزَرَ } ، بالرفع ويجعله اسم أبيه. وقال آخرون: هو اسم صنم، فهو على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر أصنامناً آلهة. وقوله: { أَتَتَّخِذُ }. استعظاماً لما يعبد من الأصنام دون الله؛ لأن مثل هذا إنما يقال على العظيم من الفعل. وقال أبو بكر الكيساني: قوله: { آزَرَ } قيل: هو اسم عيب عندهم؛ كأنه قال: يا ضال أتتخذ أصناماً آلهة؛ كقول الرجل لآخر: يا ضال. وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة كان اسم أبيه أو اسم صنم. وفي الآية دلالة أن أباه كان من رؤساء قومه بقوله: { إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }. وفيه دلالة أن لا بأس للرجل أن يشتم أباه لمكان ربه؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - سماه ضالا. وفيه دلالة أن الإيمان والتوحيد يلزم أهل الفترة في حال الفترة؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - سماهم ضلالا وهو لم يكن في ذلك [الوقت] رسولاً، إنما بعث رسولاً من بعد، والله أعلم. وقوله - تعالى -: { إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي: ضلالاً لا شك فيه ولا شبهة، وهو ما ذكر في آية أخرى حيث عبد ما ذكر؛ حيث قال:{ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } [مريم: 42] هذا الضلال البين. وقوله - عز وجل -: { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ }: ذكر كذلك - والله أعلم - على معنى كما أريناك ملكوت السماوات والأرض والآيات؛ كذلك كنا أرينا إبراهيم. و { نُرِيۤ } بمعنى: أرينا وذلك جائز في اللغة، و " كذلك " لا تذكر إلا على تقدم شيء، لكن الوجه فيه ما ذكرنا كما أريناك من السماوات والأرض من الآيات والحجج والبراهين؛ كذلك كنا أرينا إبراهيم. وقوله - عز وجل -: { مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }. اختلف فيه: قال بعضهم: سلطان السماوات والأرض. وقيل: الشمس والقمر والكواكب. وقيل: فرجت له السماوات السبع، حتى نظر إلى ما تحت العرش وما فيهن؛ وكذلك فرجت له الأرضون حتى رأى ما فيهن. وقيل: { مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }: خَبِّئ إبراهيم - عليه السلام - من الجبابرة في سرب، فجعل الله في أصابعه رزقاً، فإذا مص إصبعا من أصابعه وجد فيها رزقاً، فلما خرج أراه الله الشمس والقمر، فكان ذلك ملكوت السماوات، وملكوت الأرض: الجبال والبحار والأشجار. وقيل: نظر إلى ملك الله فيها حتى نظر إلى مكانه ورأى الجنة، وفتحت له الأرضون حتى نظر إلى أسفل الأرضين، فذلك قوله:{ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } [العنكبوت: 27] قال: أري مكانه في الجنة.