الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } * { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ليس هذا على الأمر له، ولكن على المحاجة؛ كقوله - تعالى -:قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ } [الروم: 42]، ليس على الأمر بالسير في الأرض، ولكن على الاعتبار بأولئك الذين كانوا من قبل، والنظر في آثارهم وأعلامهم [أن] كيف صاروا بتكذيبهم الرسل، وماذا أصابهم بذلك؛ فعلى ذلك هذا، فيه الأمر بالمحاجة معهم في آلهتهم: { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } آلهتكم التي تعبدون من دون الله، وتشركونها في ألوهيته وربوبيته، أو الله الذي خلقكم؟ فسخرهم حتى قالوا: [الله] هو الذي ينجينا من ذلك، فقال: { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ } ، فإذا كان هو الذي ينجيكم من هذا لا آلهتكم التي تبعدونها؛ فكذلك هو الذي ينجيكم من كل كرب ومن كل شدة.

ويحتمل قوله - تعالى -: { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ }.

أي: لا أحد ينجيكم من ظلمات البر والبحر؛ كقوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ } ، أي: لا أحد أظلم من تخافون على آلهتكم الهلاك كما تخافون على أنفسكم؟ فلا أحد سواه ينجيكم من ذلك ومن كل كرب.

قال أبو بكر الكيساني: هم عرفوا في الدنيا أنه هو الذي ينجيهم من ذلك كله، وهو الذي يعطي لهم ما أعطوا بما قامت عليهم الحجج، ولم يعرفوا أنه هو الذي ينجيهم في الآخرة ويهلكهم، وهو هكذا: عرفوا الله في الدنيا، ولم يعرفوه في الآخرة.

ثم اختلف في ظلمات البر والبحر:

قال بعضهم: الظلمات: هي الشدائد والكروب التي تصيبهم بالسلوك في البر والبحر.

وقال آخرون: الظلمات هي الظلمات لأن أسفار البحار والمفاوز إنما تقطع بأعلام السماء، فإذا أظلمت السماء بقوا متحيرين لا يعرفون إلى أي ناحية يسلكون، ومن أي طريق يأخذون، فعند ذلك يدعون الله تضرعاً وخفية.

قال الحسن: التضرع: هو ما يرفع به الصوت، والخفية: هي ما يدعي سرّاً وهو من الإخفاء.

وفي حرف ابن مسعود: (تدعونه تضرعاً وخيفة) وهي من الخوف.

قال الكلبي: في خفض وسكون، وتضرع إلى الله.

وقوله - عز وجل -: { لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ }.

قال أبو بكر لنكونن من الشاكرين، أي: لا نوجه الشكر إلى غيرك، والشكر - هاهنا -: هو التوحيد، أي: لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الموحدين لك من بعد؛ لأنهم كانوا يوحدون الله في ذلك الوقت، لكنهم إذا نجوا من ذلك أشركوا غيره في ألوهيته.

ألا ترى أنه قال: { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ }.

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } بعد علمكم أن الأصنام التي تعبدونها لم تملك الشفاعة لكم، ولا الزلفى إلى الله؛ يذكر سفههم في عبادتهم الأوثان على علم منهم أنها لا تشفع [لهم]، ولا تملك دفع شيء عنهم.

السابقالتالي
2 3