الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } * { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ }.

هذا - والله أعلم - يحتمل أن يكون صلة قوله:قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } [الأنعام: 50]، وصلة قوله: { مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ }؛ كانوا يطلبون منه صلى الله عليه وسلم ويسألونه أشياء من التوسيع في الرزق، وغير ذلك مما كان يعدهم من الكرامة والمنزلة والسعة، وكان يوعدهم بالعذاب ويخوفهم بالهلاك، فيستعجلون ذلك منه ويطلبون منه ما أوعدهم فقال: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } ، ليس ذلك عندي، لا يعلم ذلك إلا هو.

ومفاتح: من المفتح، ليس من المفتاح [؛ لأن المفتاح] يكون جمعه مفاتيح، والمفتح: يقال في النصر والمعونة؛ يقال: فتح الله عليه بلدة كذا، أي: نصره وجعله غالباً عليهم، ويقال فيما يحدثه ويستفيد منه: فتح فلان على فلان باب كذا، أي: علمه علم ذلك.

وقوله - عز وجل -: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ }.

أي: من عنده يستفاد ذلك ومنه يكون، ومن نصر آخر إنما ينصر به، ومن علم آخر علما إنما يعلمه به، ومن وسع على آخر رزقاً إنما يوسعه بالله، كل هذا يشبه أن يخرج تأويل الآية.

وقوله - عز وجل -: { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ }.

هذا يحتمل وجوهاً؛ يحتمل [أي يعلم] ما في البر والبحر من الدواب، وما يسكن فيها من ذي الروح، كثرتها وعددها وصغيرها [وكبيرها] لا يخفى عليه شيء.

والثاني: { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ، أي: يعلم رزق كل ما في البر والبحر من الدواب ويعلم حاجته، ثم يسوق إلى كل من ذلك رزقه.

يذكر هذا - والله أعلم - ليعلموا أنه لما ضمن للخلق لكل منهم رزقه، يسوق إليه رزقه من غير تكلف ولا طلب؛ [كما يسوق أرزاق] كل ما في البر والبحر من غير طلب ولا تكلف، لا تضيق قلوبهم لذلك، فما بالكم تضيق قلوبكم على ذلك، وقد ضمن ذلك لكم كما ضمن لأولئك؟!

والثالث: يعلم ما في البر والبحر من اختلاط الأقطار بعضها ببعض، ومن دخول بعض في بعض، يخرج هذا على الوعيد: أنه لما كان عالماً بهذا كله يعلم بأعمالكم ومقاصدكم.

فإن قيل: هذا الذي ذكر كله في الظاهر دعوى، فما الدليل على أنه كذلك؟

قيل: اتساق التدبير في كل شيء وآثاره فيه يدل على أنه كان بتدبير واحد؛ لأن آثار التدبير في كل شيء واتساقه على سنن واحد ظاهرة بادية، فذلك يدل على ما ذكر.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ... } [الآية].

يحتمل الكتاب - هاهنا -: التقدير والحكم اختلف فيه؛ قال بعضهم: قوله: { إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } أي: محفوظ كله عنده؛ يقول الرجل لآخر: عملك كله عندي مكتوب، يريد الحفظ، أي: محفوظ عندي، وذلك جائز في الكلام.

السابقالتالي
2 3 4 5