الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } * { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } * { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } * { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ }.

الذي وعدكم في الدنيا أنه يأتيكم.

{ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ }.

لأنه كان وعدهم أن يأتيهم العذاب، أو كان يعدهم أن تقوم الساعة، فقال: { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ }: في رفع ذلك، وكشفه عنكم.

{ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أن معه شركاء وآلهة.

أو { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }: أن ما تعبدون شفعاؤكم عند الله، أو تقربكم عبادتكم إياها إلى الله.

وقوله - تعالى - { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ }.

يحتمل: حقيقة الدعاء عند نزول البلاء.

ويحتمل: العبادة، أي: أغير الله تعبدون على رجاء الشفاعة لكم، وقد رأيتم أنها لم تشفع لكم عند نزول البلايا، ثم أخبر أنهم لا يدعون غير الله في دفع ذلك وكشفه عنهم، وأخبر أنهم إلى الله يتضرعون في دفع ذلك عنهم، وهو ما ذكر - عز وجل -:وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67] وكقوله:وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } [الزمر: 8].

وكقوله:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [العنكبوت: 65]: ذكر هذا - والله أعلم - أنكم إذا مسكم الشدائد والبلايا لا تضرعون إلى الذين تشركون في عبادته وألوهيته، فكيف أشركتم أولئك في ربوبيته في غير الشدائد والبلايا، { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } ، أي: تتركون ما تشركون بالله من الآلهة؛ فلا تدعونهم أن يكشفوا عنكم؟

وقوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ }.

اختلف فيه:

قال بعضهم: البأساء: الشدائد التي تصيبهم من العدو، والضراء: ما يحل بهم من البلاء والسقم السماوي.

وقال بعضهم: البأساء: هو ما يحل بهم من الفقر والقحط والشدة.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: [قوله] { فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ }: الزمانة والخوف، { وَٱلضَّرَّآءِ }: البلاء والجوع.

{ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }.

أي: ابتلاهم بهذا، أو امتحنهم لعلهم يتضرعون، ويرجعون عما هم عليه.

وقوله - عز وجل -: { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ }.

يذكر في ظاهر هذا أنه قد أصابهم البلاء والشدة، ولم يتضرعوا ولكن قست قلوبهم، ويذكر في غيره من الآيات أنه إذا أصابهم البلاء والشدائد تضرعوا ورجعوا عما كانوا عليه؛ وهو كقوله - تعالى -:وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67]،

وقوله:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ } [العنكبوت: 65] وغيرهما من الآيات. لكن يحتمل هذا وجوهاً:

أن هذا كان في قوم، والأول كان في قوم آخرين، وذلك أن الكفرة كانوا على أحوال ومنازل: منهم من كان على حال، فإذا أصابه خير اطمأن به، وإذا زال عنه وتحول تغير؛ وهو كقوله - تعالى -:

السابقالتالي
2 3