الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

قوله - عز وجل -: { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ }.

يحتمل قوله - تعالى -: { كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } ، أي: كذبوا لقاء وعد الله ووعيده في الدنيا وعلى هذا يخرج قوله:مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ } [العنكبوت: 5] أي: يرجو لقاء وعد الله [في الدنيا] ووعيده، خسروا في الآخرة بتكذيبهم ذلك في الدنيا، وعلى ذلك يخرج ما روي في الخبر: " من أحبّ لقاء الله " أي: أحب لقاء ما أعد الله له " ومن كره لقاء الله " أي: كره لقاء ما أعد له، وأصله: من أحبّ الرجوع إلى الله أحب الله رجوعه، ومن كره الرجوع إلى الله كره الله رجوعه إليه، والمحبة لله اختيار أمره وطاعته؛ وعلى ذلك ما روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الدنيا جنة الكافر، يلعب فيها ويركض في أمانيها، وسجن المؤمن، وراحته بالموت ".

وأصله: أنها سجن المؤمن؛ لأن المؤمن يمنعه دينه من قضاء شهواته لما يخاف هلاكه، ويحذره مما يفضي به إلى الهلاك، والكافر لا يمنعه شيء من ذلك عما يريد من قضاء شهواته في الدنيا، فتكون له كالجنة، وللمؤمن كالسجن، على ما ذكرنا.

ويحتمل [قوله] وجهاً آخر: وهو أن الكافر عند الموت يعاين مكانه وما أعدَّ له في النار، فتصير عند ذلك الدنيا كالجنة له يكره الرجوع، والمؤمن يعاين موضعه في الجنة، فتصير كالسجن له.

وقوله - عز وجل -: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً }.

قيل: سميت القيامة ساعة لسرعتها، ليست كالدنيا؛ لأن في الدنيا يتغير فيها على المرء الأحوال، يكون نطفة، ثم يصير علقة، ثم مضغة، ثم يصير خلقاً آخر، ثم إنسانا ثم يكون طفلا ثم رجلا يتغير عليه الأحوال، وأما القيامة فإنها لا تقوم على تغير الأحوال فسميت الساعة لسرعتها بهم.

وقيل: سميت القيامة الساعة لأنها تقوم في ساعة، وهو كقوله:وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل: 77].

وقيل: سميت الساعة [لما تقوم ساعة فساعة].

وقوله - عز وجل -: { بَغْتَةً } أي: فجأة.

وقوله - عز وجل -: { يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا }.

قيل: التفريط: هو التضييع، فيحتمل قوله: { مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } ، أي: ما ضيعنا في الدنيا من المحاسن والطاعات.

ويحتمل: ما ضيعنا في الآخرة من الثواب والجزاء الجزيل بكفرهم في الدنيا.

وقوله - عز وجل -: { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ }.

هو - والله أعلم - على التمثيل، ليس على التحقيق، وهو يحتمل وجهين:

يحتمل: أنه أخبر أنهم يحملون أوزارهم على ظهورهم بما لزموا أوزارهم وآثامهم، لم يفارقوها قط، وصفهم بالحمل على الظهر، وهو كقوله - تعالى -:

السابقالتالي
2