الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.

قال أبو الكيساني: قوله { هَدَانِي } ، أي: دلني ربي إلى صراط مستقيم، لكن هذا بعيد؛ لأنه خرج مخرج ذكر ما منَّ عليه بلطفه، وليس في الدلالة والبيان ذلك؛ إنما عليه البيان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على الهدى ويبين لهم طريقه.

ثم أخبر أنه لا يهدي من أحب بقوله:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56] دل أن ذلك إكرام من الله - تعالى - بالهداية بالتوفيق له والعصمة بلطفه، لا الدلالة والبيان.

وكذلك قوله - تعالى -:يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ } الآية [الحجرات: 17]؛ فلو كان على الدلالة والبيان لكان منه ذلك، ثم [أخبر] إن المنة عليهم لله - تعالى - لا لرسوله؛ دل أنه لما ذكرنا من الهداية نفسها لا الدلالة.

وقوله - عز وجل -: { دِيناً قِيَماً }.

قيل: قائماً مستقيماً لا عوج فيه؛ كقوله:وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً } [الكهف: 1-2].

والعوج: هو الذي فيه الآفة، فأخبر أن لا آفة فيه ولا عوج.

وقوله - عز وجل -: { مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ }.

إن أهل الأديان جميعاً يدّعون أن الذي هم عليه هو دين إبراهيم، فأخبر أن دين إبراهيم هو الدين الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا هم.

وقوله - عز وجل -: { حَنِيفاً }.

قيل: مسلما، والحنف: هو الميل، وهو حنيف، أي: مائل إلى دين الله، أخبر أنه يدعو إلى دين الله - تعالى - إلى الدين الذي كان عليه آباؤه وأجداده، أعني به: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

{ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }.

برأه - عز وجل - من الشرك.

وقيل: كان حنيفاً خالصاً لله مخلصًا لم يشرك أحدا في ربوبيته ولا في عبادته، على ما فعل أولئك الكفرة.

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - وحفصة: (ديناً قيما فطرتكم التي فطرتم عليها ملة إبراهيم حنيفاً).

ويقرأ: { قيِّماً } ، بالتشديد، و { قِيَماً } بالتخفيف. أو يخرج قوله: { إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } على الشكر له والحمد على ما أنعم عليه وأفضل له، من الإكرام له بالهداية بالطريق المستقيم.

[والمستقيم] يحتمل: القائم بالحق والبرهان وكذلك قوله: { دِيناً قِيَماً } بالحجج والبراهين، ودين أولئك دين بهوى أنفسهم؛ ولذلك قال: { حَنِيفاً }.

وقوله: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً }.

خاطب الله بهذه الآيات رسوله صلى الله عليه وسلم والمرادُ به: الخلقُ كله، فمن بلي بمثل ما كان بلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من السؤال والدعاء، فله أن يقرأ أو يذكر ما في هذه الآيات.

السابقالتالي
2 3 4