الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

قوله - عز وجل -: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً }.

اختلف فيه؛ قال الحسن: قوله: { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } ، أي: من أحسن صحبته، تمت نعمة الله وكرامته عليه في الآخرة.

وقيل: { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } ، يعني: على المحسنين والمؤمنين، و " على " بمعنى: للذي أحسن وللذي آمن، ويجوز " على " في موضع اللام؛ كقوله:وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [المائدة: 3]، أي: للنصب.

وقتادة قال: فمن أحسن فيما آتاه الله، تمت عليه كرامة الله في جنته ورضوانه، ومن لم يحسن فيما آتاه الله، نزع الله ما في يده، ثم أتى الله ولا عذر له.

وقال أبو بكر الكيساني في قوله: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ }: أي: ثم آتيناكم من الحجج والبيان تماماً من موسى وكتابه، أي: موسى وكتابه مصدق وموافق لما أعطاكم؛ كقوله:أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً... } الآية [هود: 17].

ويحتمل: تمام ما ذكرنا تماماً بالنعمة والكرامة.

ويحتمل: تماماً بالحجة والبيان، وتماماً بالحكمة والعلم.

وقوله - عز وجل -: { عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ }.

أي: للذي أحسن.

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: (تماماً وعلى الذي أحسن وتفصيلاً لكل شيء)، أي: تبياناً لكل شيء، وهدى من الضلال والشبهات، ونعمة، ورحمة من العذاب والعقاب.

{ لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }.

أي: ليكونوا بلقاء ربهم يؤمنون؛ هو على التحقيق.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } يقول: أتم له الكتاب على أحسنه على الذي بلغ من رسالته، وتفصيل كل شيء: بيان كل شيء { وَهُدًى } ، أي: تبياناً من الضلالة { وَرَحْمَةً } ، أي: نعمة، { لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } ، أي: بالبعث بعد الموت، { يُؤْمِنُونَ } ، أي: ليكونوا مؤمنين بالبعث.

ومنهم من يقول في قوله: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ }: إنه وإن أتى بحرف الترتيب، فإنه على الإخبار؛ كأنه قال: ثم قد كنا آتينا موسى الكتاب تماماً، معناه: وقد آتيناه.

وقوله - عز وجل -: { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ } يعني: القرآن أنزلناه.

{ مُبَارَكٌ }.

قال أبو بكر الكيساني: البركة هي التي من تمسك بها أوصلته إلى كل خير وعصمته من كل شرّ، وهو المبارك.

وقال الحسن: هو المبارك لمن أخذه واتبعه وعمل به، فهو مبارك له، وسمّي هذا القرآن مباركاً؛ لما يبارك فيه لمن اتبعه، هو مبارك لمتبعه والعامل به، وإلا من لم يتبعه فليس هو بمبارك له، بل هو عليه شدة ورجس؛ كقوله - تعالى -:وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6