الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قوله - عز وجل -: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 151] يقول: تعالوا أقرأ عليكم ما حرم ربكم، وأبين لكم ما حرم بحجة وبرهان، وأن ما حرمتم أنتم حرمتم تقليداً منكم لآبائكم، أو حرمتم بهوى أنفسكم، لا حرمتم بأمر أو حجة وبرهان.

ثم بين الذي حرم عليهم فقال: { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }.

الشرك حرام بالعقل، ويلزم كل من عقل التوحيد ومعرفة الرب؛ لما كان منه من تركيب الصور وتقويمها بأحسن صور يرون ويعرفون أنه لم يصورها أحد سواه، ولا قومها، ولا يشركه آخر في ذلك، وما كان منه إليكم من أنواع الإحسان والأيادي، فكيف تشركون غيره في ألوهيته وربوبيته؟! فذلك حرام بالعقل والسمع.

وقوله - عز وجل -: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }.

يخرج على وجهين:

أحدهما: على الوقف والقطع على قوله: { عَلَيْكُمْ } ، والابتداء من قوله: { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }؛ كأنه لما قال: { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ }.، فقالوا: أي شيء الذي حرم علينا ربنا؟ فقال: { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }.

والوجه الآخر: على الوصل بالأول، ولكن على طرح " لا "؛ فيكون كأنه قال: حرم ربكم عليكم أن تشركوا به شيئاً، وحرف " لا " قد يطرح ويزاد في الكلام.

وقوله - عز وجل -: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }.

أي: برّاً بهما.

فإن قيل: قال - تعالى -: { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } ، وهاهنا يأمر بالإحسان إليهما، ولم يذكر المحرم؟

قيل: في الأمر بالإحسان إليهما تحريم ترك الإحسان؛ فكأنه قال: حرم عليكم ترك الإحسان إلى الوالدين، وفرض عليكم برهما والإحسان إليهما.

ثم فيه: إنكم تعرفون بالعقل أن الإحسان [إلى الوالدين واجب، والإساءة إليهما حرام عليكم، ولم يكن منهما إليكم من الإحسان أكثر ممّا كان من الله إليكم]، فكيف تختارون الإساءة إلى الله والإشراك في عبادته غيره، ولا تختارون الإساءة إلى الوالدين؟! بل تختارون الإحسان إليهما.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ }.

إنهم كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر والفاقة، فهو مما حرم عليهم، وهذا يدل على أن الحظر في حال لا يوجب الإباحة في حال أخرى؛ لأنه قال:وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [الإسراء: 31] ليس فيه إباحة القتل إذا لم يكن هنالك خشية الإملاق، لكن ذكر هذا؛ لأنهم [إنما] كانوا يقتلون في ذلك الحال، ففي ذلك خرج النهي.

وقوله - عز وجل -: { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ }.

أي: على ما يخرج لكم من الزرع والثمار، [والنبات] فرزقكم من ذلك، فعلى ذلك يرزق أولادكم مما يخرج من الأرض من النبات والزروع والثمار، فلا تقتلوهم، فإذا لم تقتلوا أنفسكم خشية الفقر والفاقة، كيف تقتلون أولادكم لذلك؟ فالذي يرزقكم هو الذي يرزق أولادكم.

السابقالتالي
2 3 4 5