الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } * { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله - عز وجل -: { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا }.

يشبه [أن يكون المثل الذي ضرب الله للمؤمن والكافر في الآية أن من كان في ظلمات البطن لا يبصر ولا يسمع ولا يعقل شيئاً]، ثم أخرج من ذلك؛ فأبصر وسمع وعقل كمن ترك في تلك الظلمات ولم يخرج منها لا يبصر، ولا [يسمع] ولا يعقل، يقول - والله أعلم -: لا يستوي من أخرج من ظلمات البطن بعد ما كان لا يبصر، ولا يسمع، ولا يعقل، ولا يفهم، ثم أبصر وسمع وعقل - والذي ترك في تلك الظلمات على الحال التي كان كما هو: لا يبصر، ولا يسمع، ولا يعقل؛ فعلى ذلك لا يستوي المؤمن الذي يبصر الحق ويسمع ويعقل كل خير ويعلمه، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس [بنوره] وله أصحاب يدعون الناس إلى الهدى والخير - والكافر: الذي لا يبصر الخير ولا يسمع ولا يعقل، وليس له أصحاب يدعونه إلى الهدى والخيرات، أي: ليس هذا الذي يبصر ويسمع ويعقل كالذي لا يبصر ولا يسمع ولا يعقل.

وجائز أن يكون المثل الذي ضرب [الله]: أن يكون المؤمن والكافر جميعاً حيين في الجوهر، لكن المؤمن اكتسب ما به يحيا أبداً من العلم، والقرآن، والإيمان.

والكافر لم يكتسب من ذلك شيئاً؛ فهو كالميت الذي لا يبصر ولا يسمع الحق ولا يعقل.

ويحتمل هذا المثل وجهاً آخر، وهو أن المؤمن يكتسب في الدنيا الخيرات، والأعمال الصالحة، ويكون له نور في الآخرة بالأعمال التي اكتسب في الدنيا، ويمشي بنور ذلك فيما بين الناس في الآخرة، وأما الكافر فإنه لم يكتسب من ذلك شيئاً؛ فيبقى في الظلمات، كقوله:قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } [الحديد: 13].

وقوله - عز وجل -: { وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ }: والمعتزلة يقولون: [هم] جعلوا لأنفسهم نوراً يمشون [به] في الناس، وقد أخبر أنه هو الذي يجعل لهم ذلك النور؛ فذلك تحريف منهم ظاهر للقرآن.

وكذلك قوله:وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المائدة: 120]: وهم يقولون: هو قدير على بعض الأشياء.

وقال:خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 102]: وهم يقولون: [هو] خالق بعض الأشياء.

وقال:وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } [الأنعام: 112] وهم يقولون: يشاء ألا يفعلوا ما فعلوا، ولكن فعلوا غير ما شاء الله.

وكذلك [قوله]:جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً } [الأنعام: 112]: وهم يقولون: لم يجعل لكل نبي عدوّا وهم جعلوا أنفسهم لهم أعداء.

وكذلك قوله: { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } [الأنعام: 123]: وهم يقولون: جعل الأكابر فيها؛ لئلا يمكروا فيها.

السابقالتالي
2 3 4 5