الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } * { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ }.

قالوا: جهد أيمانهم: [أيمانهم] بالله، فهذا يخرج على وجوه:

أحدها: أن الحنث في اليمين يخرج مخرج الاستخفاف والتهاون، [وإن كان المسلم لا يقصد قصد الاستخفاف بالله تعالى] وإن كان في اليمين التعظيم، وفي الحنث استخفاف، ففي اليمين بالله جهد اليمين.

ويحتمل وجهين سوى هذا، وذلك ما قيل: إن الكفرة كانوا لا يحلفون بالله إلا عند العظيم من الأمور، [و] الجليل منها، وفي غير ذلك كانوا يحلفون بدونه؛ فسمي اليمين بالله جهد اليمين؛ تعظيماً لله وتبجيلا.

والثاني: يحتمل أنهم كانوا يحلفون بأشياء، ويؤكدون اليمين بالله ويشددونه؛ كقوله:وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } [النحل: 91].

وقوله - عز وجل -: { لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا }.

قيل: إنهم كانوا يقسمون جهد أيمانهم { لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } ، كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات: لئن جاءتهم ليؤمنن بها؛ من نحو ما قالوا:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90]، وكقولهم:وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [الإسراء: 93]، وغير ذلك من الآيات؛ فقال: { قُلْ } يا محمد: { إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } هو الذي يرسلها وينزلها، وأنا لا أملك إرسالها ولا إنزالها؛ كقوله:قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } [الأنعام: 50]، وغير ذلك من الآيات؛ إنباء منه أنه لا يملك إنزال ما كانوا يسألونه من الآيات، ثم قال: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } اختلف فيه:

قال الحسن وأبو بكر الأصم: إنه خاطب بقوله: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } أهل القسم الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها؛ فقال: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } ، أي: ما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءكم آية ثم استأنف، فقال: { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، [وهكذا كان يقرؤه] الحسن بالخفض: { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } على الاستئناف والابتداء.

وقال غيرهم من أهل التأويل: الخطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنهم لما قالوا: { لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } ، ظنوا أنهم لما أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم يؤمنون إذا جاءتهم آية، يفعلون ذلك ويؤمنون على ما يقولون؛ فقال [لهم]: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، على طرح لا، أي ما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون [ويحتمل فيه وجهاً آخر على الإضمار، وكأنه قال: وما يشعركم فاعلموا أنها إذا جاءت لا يؤمنون على الوقف في قوله { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } ثم ابتدأ فقال: اعلموا أنها إذا جاءت لا يؤمنون] وهذا كأنه أقرب.

ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن أهل الإسلام قالوا: إنهم - وإن جاءتم آية - لا يؤمنون؛ فقال عند ذلك: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } خاطب به هؤلاء { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6