الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } * { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله - عز وجل -: { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ }.

قيل: بينات من ربكم.

وقيل البصائر الهدى، بصائر في قلوبهم، وليست ببصائر الرءوس وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

وقيل: بصائر، أي: بيان، وهو واحد.

وقيل: بصائر شواهد، أي قد جاءكم من الله شواهد تدلكم على ألوهيته، وهو كقوله تعالى:بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [القيامة: 14]، أي: بل الإنسان من نفسه بصيرة، أي: شاهدة؛ فشهدت كل جارحة منهم على وحدانية الله وألوهيته.

ألا ترى أنه قال:يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النور: 24]؛ هذا - والله أعلم - لأنهم كانوا يقلدون آباءهم في عبادة الأوثان والأصنام، ويقولون:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]،هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18]؛ فيقول: { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } من الآيات والرسل ما لو اتبعتموهم، لكانوا لكم شفعاء عند الله.

والثاني: { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ }: ما لو تفكروا وتدبروا ونظروا فيها، لعرفوا أنها بصائر من الله؛ لأن البشر أنشئوا بحيث ينظرون في العجيب من الأشياء؛ فكانوا على أمرين: منهم من نظر وتفكر وعرف أنها بصائر، لكنه عاند وكابر ولم يعمل بها، ومنهم من ترك النظر فيها؛ فعمي عنها، ما لو تفكروا ونظروا لتبين لهم.

وقوله - عز وجل -: { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا }.

أي: أبصر الحق والهدى وعمل به، فلنفسه عمل، ومن أبصر وعمي عنها - أي: ترك العمل - فعليها ترك؛ كقوله:مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [فصلت: 46].

فإن قيل: ذكر في آية أخرى:لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [الأنفال: 42]، أخبر أن من هلك هلك عن بينة، ومن حي حي عن بينة، وهاهنا يقول: { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا }: ذكر عمي عليها؛ فكيف وجه التوفيق [بينهما]؟!

قيل: يحتمل قوله: { عَمِيَ } بعد ما تبين له، فترك العمل به؛ فعليها ذلك؛ لأنه أبصرها، وعرف أنها من الله، لكنه عاندها وكابرها.

وقوله - عز وجل -: { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }.

أي: قد جاءكم بصائر من ربكم، فليس علينا إلا التبليغ؛ كقوله:مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [المائدة: 99].

وقوله - عز وجل -: { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ }.

أي: نردّها في الوجوه التي تتبين لقوم يطلبون البيان.

أو نقول { نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } ، أي: نضع كل آية ونصرفها إلى الوجوه التي تكون بالخلق إليها حاجة.

وقوله - عز وجل -: { وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ }.

فيه لغات: درست، ودارست. ودرست: قرأت، ودارست: تعلمت.

وقيل: دارست أهل الكتاب: جادلتهم، ودرست بالجزم، [قيل: تعاونت] فهذا الاختلاف فيه؛ لاختلاف قول كان من الكفرة لرسول الله؛ منهم من يقول: [

السابقالتالي
2 3 4 5