الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } * { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } يخبر بشدة تعنتهم أنهم وإن أتوا ما سألوا من الآيات لم يؤمنوا به؛ لأنهم كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل كتاباً يعاينونه، ويقرءونه، كقوله:وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [الإسراء: 93] وكقوله:لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [الفرقان: 32] ونحوه من الآيات، وقوله: { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ } أي: في صحيفة، مكتوباً، يعلمون أنه لم يكتب في الأرض، ولمسوه بأيديهم، وعاينوه لم يؤمنوا به، ولا صدقوه، وقالوا: { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يؤمنون، ويخبره بشدة تعنتهم أنهم لا يؤمنون وإن جئت بكل آية؛ إذ قد أتاهم من الآيات ما إن تأملوا ولم يتعنتوا لدلتهم على ذلك، لكنهم أعرضوا عنها، ولم يتأملوا فيها لتعنتهم، وشدة مكابرتهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } أن مشركي العرب كانوا لا يعرفون الرسل، ولا الكتب، ولا كانوا آمنوا برسول ولا كتاب، فقالوا:لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [الفرقان: 21] ونحوه من السؤال، فيسألون إنزال الملك.

ثم يحتمل سؤالهم إنزال الملك لما لم يكونوا رأوا الرسل يكونون من البشر، وإنما رأوا الرسول إن كان يكون ملكاً، فقالوا:لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } [الفرقان: 21].

ويحتمل أن يكون سؤالهم إنزال الملك سؤال عناد وتعنت، لا سؤال طلب الرسول من الملائكة، فقال: { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً } على ما سألوا { لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي أن الملك إذا نزل على إثر سؤال العناد والتعنت ينزل بالعذاب والهلاك، فهذا يبين أن سؤالهم سؤال تعنت وعناد.

وقوله - عز وجل -: { لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } أي أنهم كانوا يسألون إنزال الملك آية لصدقه - عليه السلام - فقال: { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } أي: يهلكون؛ لأن الآيات إذا نزلت على إثر سؤال القوم ثمّ خالفوا تلك الآيات وكذبوها لنزل بهم العذاب والهلاك، وإن جاءت الآيات على غير سؤال، فكذبوها يمهلون، ولا يعذبون عند تكذيبهم إياها، [و] الله أعلم.

وقوله - عزو جل -: { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً }:

قيل: آدميّاً بشراً، [و] يحتمل هذا وجوهاً:

[أحدها]: أي: لو بعثنا الرسول ملكاً لجعلناه على صورة البشر؛ لأنه لو كان على صورة الملائكة لصعقوا ودهشوا؛ لأنه ليس في وسع البشر رؤية الملك على صورته.

ألا ترى أن جبريل - عليه السلام - إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل على صورته، ولكن كان ينزل على صورة البشر، حتى ذكر أنه كان ينزل عليه على صورة دحية الكلبي، وأنه متى رآه على صورته صعق وتغير حاله، فإذا رأوا ذلك في وجهه قالوا: إنه لمجنون، فقال: { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } ويكون فيه ما في رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللبس به.

السابقالتالي
2