الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }.

قال بعض أهل الأدب: المحاد هو الذي يجعل نفسه في حد غير الحد الذي أمره الله ورسوله، وكذلك قوله: يشاقون الله، أي: يكونون في شق غير الشق الذي عليه رسول الله، أو كلام نحوه.

ومنهم من قال: حددته عن طريقه، أي: عدلته عنه، وبعضه قريب من بعض. وأصله ما ذكر: { يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، أي: يمانعون الناس ويزجرونهم عن الطريق؛ لئلا يأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم ويتبعوه.

وقوله - عز وجل -: { كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }.

قيل: غلبوا وردوا بغير حاجتهم كما غلب ورد الذين كانوا من قبلهم.

وقيل: أهلكوا كما أهلك الذين من قبلهم.

وقيل: أخزوا كما أخزي الذين كانوا من قبلهم. وكله قريب بعضه من بعض.

ثم يخرج تأويله على وجهين:

أحدهما: أي: كبت هؤلاء الذين منعوا الناس عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، كما كبت من قبلهم.

أو كبت هؤلاء الذين مانعوا الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، كما كبت الذين مانعوهم عنه بمكة؛ لأن هذه السورة مدنية، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }.

أي: آيات تبين حدود الله من غير حدوده، أو ما يبين الحق من الباطل، والرسول من غيره، أو المحاد من غير المحاد.

وقوله - عز وجل -: { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }.

أي: للكافرين كلهم عذاب يهينهم؛ كما أهانوا المؤمنين.

وقوله - عز وجل -: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً }.

أي: الأولين والآخرين، والمحادين والموافقين.

وقوله - عز وجل -: { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ }.

أي: ليبعثهم الله جميعاً، فينبئهم بما عملوا من خير أو شر، أحصى الله ما عملوا، وإن طال ذلك أو كثر، ونسوا هم تلك الأعمال. خرج هذا على الوعيد، وفيه دلالة رسالته؛ إذ أخبر أن الله - تعالى - يحصي ذلك عليهم، وأنهم نسوا؛ فلم يتهيأ لهم أن ينكروا عليه أنهم لم ينسوا؛ دل أنه بالله علم ذلك.

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }.

أي: على كل شيء من الإحصاء والحفظ وغير ذلك شهيد.

وقوله - عز وجل -: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ }.

فإن كان هذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكون فيه دلالة رسالته أن أطلعه على ما أسروا فيما بينهم من المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتناجوا بينهم من الكيد والخداع، أطلع الله - تعالى - رسوله على ذلك؛ ليعلم أنه بالله علم ذلك.

السابقالتالي
2 3