الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قوله - عز وجل -: { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يجوز أن يقرأ { سَبَّحَ للَّهِ } وسبح الله، كما يقال في الكلام: شكر لله، وشكر الله، ونصح لله ونصح الله.

ويجوز أن يكون معناهما في الظاهر مختلفا، ويتفق في الحقيقة والباطن؛ لأن التسبيح: هو التخليص والتنزيه والتبرئة، فمتى أضيف الفعل إلى الله تعالى، ووقع عليه، فيقال سبح لله، فمعناه: أنه نزهه وبرأه عن جميع معاني الخلق، وخلصه عن شبه المخلوقين، وإذا قيل: سبح لله، فقد وقع الفعل على الأشياء المخلوقة؛ أي: خلصها كلها له وبرأها عن غيره، وإذا وصف بأن كل الأشياء له، وهو المالك لها، وهم عبيده ومماليكه، خاضعون أذلاء، فقد وصف بالغناء ونفي الحاجة عنه، وأنه متبرئ عن الشبه بمماليكه ومخلوقاته، فهما جميعا من هذا الوجه ينظمان معنى واحدا، وإن كانا مختلفين وفي الباطن مؤتلفين؛ كما أن الإسلام: هو أن يجعل كل شيء من الخلق لله تعالى خالصا سالماً له، والإيمان: هو التصديق بالربوبية له في كل شيء، فمتى صدق الله تعالى بالربوبية في الخلق والأمر، فقد جعل الخلق سالما له، فمتى جعل سالما له فقد صدقه في الربوبية، فقد اتفقا من حيث المعنى، وإن اختلفا من حيث الظاهر، فعلى ذلك هذا، والله الموفق.

ثم يحتمل ما ذكر من التسبيح: هو تسبيح الخلقة، تشهد له خلقة كل شيء بالوحدانية والألوهية، فهذا على خلقه الكافر والمؤمن جميعا وغيرهما من المخلوقات.

ويحتمل أن يكون أراد الممتحنين الذين في السماوات والأرض، ويرجع إلى تسبيح خاص، وهو تسبيح النطق واللسان عن اختيار.

وجائز أن يرجع إلى كل ذي روح يجعل الله في سرية هذه الأشياء من التسبيح له ما يعلمه هو لا يعلمه غيره إلا بإعلام الله تعالى إياه ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } يخرج على وجوه:

أحدها: العزيز: هو الذي أفقر الخلق وأحوجهم إليه، والحكيم: هو المحكم للأشياء المتقن لها.

أو العزيز: القاهر الغالب، الحكيم: هو العالم بالأشياء على حقيقتها.

أو العزيز: هو المالك كل ملك؛ كقوله:مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } [آل عمران: 26] الحكيم: الواضع كل شيء موضعه.

وقوله - عز وجل -: { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } جائز أن يكون { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } تفسيراً لقوله: { ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }.

وقوله - عز وجل -: { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي: يملك أن يحيي هذا، ويميت غيره، أو يحيي من شاء، ويميت من شاء، ويملك إحياء من شاء وإماتة من شاء، { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من الإحياء والإماتة وغيرهما { قَدِيرٌ }.

وقوله - عز وجل -: { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ } قالت الباطنية: الأول: معناه: المبدع الأول، والآخر: المبدع الثاني، والظاهر: هو الناطق، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، والباطن: هو صاحب التأويل؛ يقولون: إن المبدع الأول أتم للمبدع الثاني المعونة؛ فيستعين بها المبدع الثاني على خلق هذا العالم وإنشائهم؛ لأنهم يقولون: إن المبدع الثاني هو الذي دبر هذا العالم، وأنشأهم بإعانة المبدع الأول، والناطق هو الذي دبر الشرائع، والباطن - وهو صاحب التأويل - هو الذي يبين الشرائع التي دبرها الناطق وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يصفون أن الله تعالى هو الأول والآخر والظاهر والباطن، ويقولون: لا يجوز أن يوصف بهذه الأشياء؛ لأن الأولية تنفي الآخرية، والظاهر ينفي الباطن؛ كل حرف من هذه الحروف يبطل الآخر في الشاهد.

السابقالتالي
2 3 4