الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله - عز وجل -: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ } يقول بعض أهل التأويل: يأيها الذين آمنوا بعيسى بن مريم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.

ولكن هذا ضعيف؛ لأن الإيمان برسول من الرسل إيمان بجميع الرسل عليهم السلام.

وتأويل الآية: يأيها الذين آمنوا بالرسل جملة على غير الإشارة والتفسير، آمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على الإشارة به؛ لأن الإيمان بالرسل على غير الإشارة أمر سهل وإنما يصعب الإيمان به ويشتد بالإشارة إلى واحد؛ لأنه لما آمن بالمشار إليه، لزمه اتباع أمره، ونهيه، ولزمه موالاة من والاه واتبعه، ويلزمه معاداة من عاداه وخالفه في أمره ونهيه وترك اتباعه، وإن كان له أبناء وآباء، وذو إحسان، يجب أن يكون أحب الناس إليه وأقرب وأبر، فهذه معاملة الرسول الذي آمن به على الإشارة إليه وأنها تشتد في الطلب. وأما عند الإجمال والإرسال فأمر سهل إنما فيه تصديق كل صادق وتكذيب كل كاذب، وكل الناس قد اعتقدوا أصل تصديق الصادق وتكذيب الكاذب، وليس في الإجمال والإرسال، إلا ذلك، وأما عند التعيين يوجد الامتحان، وبه يظهر نفاق المنافقين وتحقيق المؤمنين المحققين، وذلك قوله:أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ } [محمد: 29-30]، ظهر نفاقهم بما أمروا بالجهاد والخروج معه على الإشارة، وكقوله:وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ * فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } [التوبة: 75-76]، وقد وعدوا في الجملة أنه لو أعطاهم كذا من فضله لنصدقن، فلما أوتوا ذلك وأمروا بإخراجه أبوا إخراج ذلك عند الإشارة إليه؛ فعلى ذلك جائز أن يكون تأويله: يأيها الذين آمنوا بالرسل جملة، آمنوا بهذا الرسول المشار إليه؛ لما يصعب الأمر، ولما يلزم في ذلك معاداة من خالفه وترك اتباعه وإن كان أقرب الخلائق إليه، وكذلك عامل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاربهم وأرحامهم لما آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصار عندهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأولادهم، وعادوا جميع أقاربهم الذين خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا اتباعه، وفي ذلك آية عظيمة؛ ولذلك فضل إيمان من آمن في أول خروجه عن إيمان من تأخر منهم عن ذلك الوقت، ولا قوة إلا بالله.

وقوله - عز وجل -: { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ }: قوله: { يُؤْتِكُمْ } أي: يوجب لكم { كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أي: أجرين: أجر الإيمان بالرسل كلهم على الإجمال، وأجر الإيمان بالرسل على الإشارة والتفصيل؛ ذكر هاهنا { كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } ، وقال في آية أخرى:

السابقالتالي
2 3