الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

قوله - عز وجل -: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ }.

{ وَمَا نَزَلَ } قرئ مخففا ومثقلا، فمن شدد شدد لما سبق من ذكر الله تعالى، ومن خفف، جعل الفعل للحق.

ثم الآية تحتمل وجوها:

أحدها: ما قال بعض أهل التأويل: إنها نزلت في المنافقين الذين أظهروا الإيمان، وأضمروا الكفر، { أَلَمْ يَأْنِ } ، أي: قد أنى للذين آمنوا ظاهراً وأظهروا الموافقة للمؤمنين { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، أي: إذا ذكر الله { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } ، أي: القرآن إذا يتلى عليهم، أي: يرق قلوبهم وتؤمن به؛ لأنهم كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم الدوائر، ويطمعون هلاكه، أمّن الله تعالى المؤمنين من ذلك الخوف وآيس أولئك عما تربصوا فيه من نزول الدوائر، فقال: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } ظاهراً { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } والقرآن، وترق لذلك، وتؤمن به، والله أعلم.

ثم قوله - عز وجل -: { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ }.

[على] هذا التأويل: أي: لا تكونوا كأولئك الذين تمادوا في الضلال وقساوة القلوب؛ لما طال عليهم الوقت، وتركوا النظر في الكتب.

ويحتمل أن يكون الآية في أهل الكتاب الذين كانوا مؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فيقول: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } به من قبل أن يبعث { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ } أي كتابهم { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } وهو القرآن أن يؤمنوا به، كما كانوا آمنوا به لما وجدوا نعته في كتابهم.

ثم قوله - عز وجل -: { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ... } الآية.

أي: لا تكونوا كالذين كانوا من قبلكم من أهل الكتاب، { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } أي: طال عليهم أن ينظروا في كتبهم؛ { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } بطول ترك نظرهم فيها، والله أعلم.

ويحتمل أن تكون الآية في المؤمنين الذين حققوا الإيمان بالله ورسوله، وهو يخرج على وجهين:

أحدهما: { أَلَمْ يَأْنِ } ، أي: قد أنى للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم عند ذكر الله بالنظر والتأمل في ذلك؛ فيحملهم ذلك على خشوع قلوبهم عند ذكر الله، ويزداد لهم الإيمان واليقين؛ للنظر فيه والتفكر، وفهم ما فيه، والله أعلم.

والثاني: { أَلَمْ يَأْنِ } ، أي: قد أنى للذين آمنوا أن تقطع شهواتهم وأمانيهم في الدنيا، وتخشع قلوبهم لذكر الله، { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } ، أي: لا تغفلوا عن كتاب الله وذكره ولا تتركوا النظر فيه والتفكر، [كالذين] غفلوا عما فيه؛ فقست قلوبهم فلا تكونوا أنتم كهم؛ فتقسوا قلوبكم كما قست قلوبهم.

وقوله - عز وجل -: { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } ، أي: كثير من أولئك الذين أوتوا الكتاب فاسقون؛ لتركهم النظر في الكتاب.

السابقالتالي
2 3