الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } * { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } * { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } * { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } * { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } * { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } * { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } * { ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } * { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } * { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } * { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

قوله - عز وجل -: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: يقول - والله أعلم -: لما صدقتموني ورسلي بأنا خلقناكم في الابتداء، فهلا صدقتمونا ورسلنا بأنا نعيدكم تارة أخرى؛ إذ الأعجوبة في ابتداء الأشياء أكثر منها في الإعادة، وهو ما قال:وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [الروم: 37].

والثاني: إنكم صدقتموه ورسله: أنه أنشأكم في بطون أمهاتكم في الظلمات الثلاث، ونقلكم من حال إلى حال، لا يحتمل أن يترككم سدى بلا عاقبة؛ فيكون فيه إثبات البعث؛ إذ لولا ذلك لكان خلقهم وتحويلهم من حال إلى حال عبثا؛ كما قال تعالى:أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } [المؤمنون: 115]، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ * ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } قد علموا أنهم لم يخلقوا ما يمنون، ولا خلقوا أنفسهم، فيقول - والله أعلم -: قد أقررتم أنكم لم تخلقوا ما أمنيتم، ولا أنفسكم، ولا تملكون ذلك، فقد عرفتم أن الله هو خالقكم وخالق ذلك كله، وهو المالك لذلك؛ فإذا عرفتم ذلك، وأنتم أهل تمييز، وأكمل عقلا من غيركم، فإذا لم تملكوا خلق أنفسكم، فالذين هم دونكم أحق ألا يملكوا خلق أنفسكم وخلق ما ذكر ثبت أن الله تعالى هو خالق ذلك كله؛ فكيف عبدتم غيره، وصرفتم الألوهية إلى غيره.

وقوله - عز وجل -: { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } يحتمل وجوها:

أحدها: أنه لما كان هو الذي خلقكم وما ذكر، ثم قدر بينكم الموت، وفيكم الولي له والعدو، وقد سوى في الدنيا بين الولي والعدو، وفي الحكمة التفريق بينهما؛ دل أن هنالك دارا أخرى يفرق بينهما.

والثاني: { قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } ، أي: المعجل والمؤجل؛ أي: لم يجعل موت جميعكم في وقت واحد، بل جعل أجلا مؤجلا في الأصل، وقدر أن تكون مدة أجل هذا أكثر من مدة أجل الآخر.

وقيل: { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } أي سوينا بينكم في الموت بين عزيزكم وذليلكم، ورفيعكم ووضيعكم، لا يسلم أحد عنه.

ويحتمل وجها آخر هو - أولى -: وهو أنه قدر بينكم الموت، وكل واحد منكم يكره الموت، ثم لم تملكوا دفع الموت عن أنفسكم؛ دل أن هاهنا قاهرا قادرا يجب القول بوجوده، والانقياد لأوامره ونواهيه.

وقوله: { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي: وما نحن بمغلوبين في تبديل أمثالكم.

أو يقول: وما نحن بعاجزين على أن نبدل أمثالكم.

وقوله: { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } قال أبو بكر الأصم: فيما لا تعلمون من تبديلكم إلى صورة ذميمة قبيحة؛ كصورة القردة والخنازير، ونحوها.

وقيل: { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } في أي خلق شاء؛ وهو أقرب من الأول.

وجائز أن يكون معناه { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } في ظلمات ثلاث الذي لا يبلغه علم البشر، ولا تدبير الحكماء إلى أن بلغوا ما بلغوا، فمن ملك ذلك لا يحتمل أن يعجز عن بعث أو غيره، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4