الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } * { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } * { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } * { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } * { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } * { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } * { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } * { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } * { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } * { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ }

قوله - عز وجل -: { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } ، وذكر في أصحاب اليمين مثله من التعجب، وأخبر عما يكرمهم ويعطيهم من أنواع النعم، وذكر أصحاب الشمال، وذكر على إثره ما أعد لهم من العذاب والهوان بقوله: { سَمُومٍ وَحَمِيمٍ... } الآية، ثم ذكر في أول السورة أصحاب الميمنة والمشأمة، ولم يذكر لهم الثواب ولا العذاب؛ وذلك - والله أعلم - لأن في ذكر الميمنة والمشأمة دلالة ما لهم؛ لأن الميمنة من اليمن، والمشأمة من الشؤم، ففي ذكر ذلك بيان [ما] لهم من الكرامات، وما لأولئك من العقوبات، وليس في ذكر اليمين والشمال بيان العقاب؛ فذكر على أثر ذلك؛ ليعرف ما لكل فريق من الجزاء، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } قيل: السموم: هو فيح جهنم، والحميم: هو الذي قد انتهى حره غايته.

وقيل: السموم: هو حر النار.

وقيل: هو ريح باردة.

وقيل: ريح حارة.

وأصله: أنه لما أصابهم السموم، اشتد بهم العطش، فعند ذلك يشربون الحميم؛ رجاء أن يسكن به عطشهم، ويذهب ذلك عنهم، فلا يزداد لهم بذلك إلا شدة عطش على ما كان، والله أعلم.

وقوله: { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } قيل: هو دخان أسود.

وقال بعضهم: اليحموم: هو من الحميم.

وقال أبو بكر: أي: ظل من بخار يجعل اليحموم بخارا.

ثم الظل الذي ذكر هاهنا يحتمل أن يكون هو الظل الذي ذكر في قوله:ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } [المرسلات: 30]، وقوله: لهم ظلل من النار.

وقيل: هو السرادق من النار.

وقوله - عز وجل -: { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } { لاَّ بَارِدٍ }؛ لأنه من النار { وَلاَ كَرِيمٍ }؛ لأنه لهوانهم ليس للكرامة.

وقال الحسن وقتادة: { لاَّ بَارِدٍ } المنزل، { وَلاَ كَرِيمٍ } المنظر.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } أي: هذا الجزاء لهم؛ لأنهم كانوا يقولون في الدنيا:نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 35]، وإنما قال ذلك مترفوهم دون السفلة والأتباع؛ لقوله تعالى:إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [سبأ: 34].

وقوله - عز وجل: { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } اختلف فيه: قال بعضهم: { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } ، أي: على الإثم العظيم، وهو الشرك.

وقيل: الحنث العظيم. الكبائر، والإصرار: هو الإدامة عليها.

وقال بعضهم: يصرون على أنهم يقسمون ويحنثون فيه؛ كقوله تعالى:وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [النحل: 38] أقسموا: أنهم لا يبعثون، فحنثوا في ذلك؛ لأنه تعالى أخبر أنهم يبعثون؛ حيث قال:بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } [النحل: 38].

ويحتمل أن يكون قسمهم ما ذكر:وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا }

السابقالتالي
2