الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } * { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } * { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } * { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } * { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } * { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } * { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } * { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } * { إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً } * { فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً } * { عُرُباً أَتْرَاباً } * { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ... } الآية: أصحاب اليمين هم المؤمنون على ما ذكرنا.

ثم اختلف في ذكر شجر السدر لهم، وما ذكر من الطلح، وغير ذلك.

فمنهم من قال: إنما ذكر هذا لهم لتفضيل المقربين على أصحاب اليمين؛ لأنه قال في المقربين:وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ... } [الواقعة: 10-12] إلى آخر ما ذكر من عظيم الكرامات التي ذكر لهم، ثم ذكر لأصحاب اليمين دون ذلك؛ ليعلم تفضيل المقربين على أصحاب اليمين.

ومنهم من قال: إن قوما من العرب ينتفعون بذلك؛ لأن لها ثمرة، لكن ليست بمرغوبة، ولها شوك، فأخبر الله تعالى أن لهم في الجنة ذلك بلا شوك ولا أذى؛ بل رغب فيه، وهو كما وعد لهم من الخمور، ثم نفى عن خمورها الآفات؛ فعلى ذلك جائز أن يكون شجر السدر فيها بغير آفات، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } ، منهم من قال: هو طلع منضود متراكم؛ كما ذكر في آية أخرىطَلْعٌ نَّضِيدٌ } [ق: 10] ذكر في إحدى الآيتين فعيل، وفي الأخرى مفعول، وذلك جائز في اللغة.

وقيل: طلح: بالحاء: هو الموز.

وذكر أن عليا - رضي الله عنه - سمع قارئا يقرأ: { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } ، فقال علي - رضي الله عنه -: ما شأن الطلح؟ إنما هو طلع؛ فقيل له: إن في المصحف { وَطَلْحٍ } أفلا نغيره؟ فقال: إن المصحف لا يغير اليوم؛ وهذا يؤيد التأويل.

وقال أبو معاذ: الطلح في كلام العرب: شجر عظام، كثير الأغصان، واحدها: طلحة، وقال مخضود: أي: مقطوع الشوك؛ خلقت هنالك هكذا بلا شوك، ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - في شجر الحرم: " لا يخضد شوكها، ولا يعضد شجرها ".

وقوله - عز وجل -: { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } يصف أنه ليس فيها شمس يؤذي حرها، ولا برد يؤذي، بل ظل؛ لأن الظل شيء لطيف لا أذى فيه، ولا شيء يثقل على الأبدان؛ بل هو شيء يوافق البدن، ويخف عليه.

وقيل: ممدود؛ لأنه لا شمس فيها فتنسخه، وبالشمس يعرف الظل هاهنا، وظل الآخرة ممدود أبدا.

وقوله - عز وجل -: { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } قيل: جار غير منقطع؛ وهو قول القتبي.

وقال أبو عوسجة: أي: مصبوب.

والأول كأنه أقرب؛ أي: جار أبدا، ليس كمياه الدنيا؛ إلا أن يراد بالانصباب صبه من الأعلى إلى الأسفل، وذلك مما رغب إليه في الدنيا.

ثم قوله: { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } جائز أن يكون ذكر هذا لأصحاب اليمين، وما ذكر من قوله تعالى:عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [الإنسان: 6]، وقوله:

السابقالتالي
2 3