الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرَّحْمَـٰنُ } * { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } * { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } * { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } * { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } * { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } * { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ } * { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } * { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } * { فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } * { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

قوله - عز وجل -: { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } قد عرفت العرب وعلمت أن " الرحمن " على ميزان " فعلان " ، مشتق من الرحمة، لكن أحدا من الخلائق لا يبلغ في الرحمة مبلغا يستحق تسميته به: رحمانا؛ لذلك خص الله تعالى نفسه بتسميته: الرحمن، وإن كان مشتقّاً من الرحمة؛ كالرحيم، وجاز تسمية غيره: رحيما، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } ، ذكر أن الرحمن علم القرآن، ولم يذكر لمن علمه؛ فجاز أن يكون المراد منه: أنه - تبارك وتعالى - علم القرآن رسولنا صلى الله عليه وسلم.

ثم يخرج ذلك على وجوه:

أحدها: أنه جبريل - عليه السلام - حيث قال:عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ } [النجم: 5-6] لكن خرجت الإضافة إلى الله تعالى؛ لما أنه علمه بأمره.

والثاني: أضاف التعليم إلى نفسه؛ لما أنه هو الذي أثبته في قلبه حتى لا ينساه؛ كقوله - عز وجل -:سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [الأعلى: 6]، وقوله - عز وجل -:لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [القيامة: 16-17]، وقوله:كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [الفرقان: 32].

والثالث: أضاف إلى نفسه، وإن علمه جبريل - عليه السلام - لأنه هو الخالق لفعل التعليم من جبريل، عليه السلام.

وقوله - عز وجل -: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ }.

قال بعضهم: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } أي: آدم عليه السلام، و { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } أي: الأسماء التي ذكر في آية أخرى:وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [البقرة: 31]؛ إذ لا سبيل إلى معرفة الأسماء إلا بالتلقين، ليس كالأشياء التي تعرف وتدرك بالاستدلال.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } أي: خلق كل إنسان وعلمه البيان: أي: علمه بيان ما يمتحنهم به من الأمر والنهي؛ ليعلم أنه لم يخلق الإنسان ليتركه سدى.

ويحتمل: علم كل إنسان ما غاب عنهم حتى عرفوا بما شاهدوا - باللون والطعم واللذة - طعم ما غاب عنهم من جنسه ولونه ولذته؛ استدلالا بما شاهدوا.

ويحتمل: الاستدلال بالشاهد على معرفة الله تعالى، وهو أنهم لما شاهدوا الإنسان محتاجا، عاجزا، محاطا بالحوائج والحوادث عرفوا أن له خالقا عالما قادرا أنشأه كذلك.

ويحتمل: ما ذكر من تعليم البيان بيان القرآن، وذلك راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه علمه القرآن، وعلمه البيان، [و]هو بيان القرآن؛ حتى يبين للناس كل ما يحتاجون إليه، وما لهم وما عليهم.

وجائز أن يصرف بعضه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } ، وبعضه إلى آدم - عليه السلام - وهو قوله: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } ، وتفسيره ما ذكرناه.

السابقالتالي
2 3 4 5