الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

قوله - عز وجل -: { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } يذكر تغير هذا العالم يومئذ لهول ذلك اليوم، وهو كما ذكر من تبديل السماء والأرض؛ حيث قال:يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } [إبراهيم: 48]، وقوله:يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [الأنبياء: 104] في غير ذلك من الآيات، وكذلك ما ذكر من تغيير الجبال من قوله:هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23]، وقوله:كَثِيباً مَّهِيلاً } [المزمل: 14]، وقوله:كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [القارعة: 5]، ونحو ذلك.

ثم قوله تعالى: { فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } منهم من قال: شبه السماء؛ لكثرة تلونها بفرش الورد يكون في الربيع بلون، ثم يصير إلى لون آخر، ثم إلى آخر؛ فعلى ذلك ما ذكر من تغيير السماء وتلونها.

ومنهم من قال: شبهها بالدهان، وهو الدهن؛ للينها وضعفها، وهو قد ذكر في آية أخرى:يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } [المعارج: 8]، والمهل: هو دردي الزيت، لكن التشبيه بالمهل إنما يكون؛ لكثرة التلون لا للين؛ فيكون في هذا التأويل نوع وهاء، والله أعلم.

وقيل: إنما تحمر وتذوب كالدهن.

وروي: أن سماء الدنيا من حديد، فإذا كان يوم القيامة، صارت من الخضرة إلى الاحمرار، وحر جهنم كالحديد إذا حمي بالنار.

ثم قال بعضهم: الدهان: جمع الدهن، ويقال: الدهان: الأديم الأحمر، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } ، اختلف في تأويله:

قال بعضهم: أي: لا يسأل إنسي ولا جني عن ذنب غيره، إنما يسأل عن ذنب نفسه؛ نحو ألا يسأل من أضل غيره عن ضلال ذلك الغير، إنما يسأل الذي أضله عن إضلاله، ويسأل الضال عن ضلاله كقوله:رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا... } الآية [فصلت: 29].

ومنهم من قال: لا يسأل بعض عن بعض، أي: لا يسأل جني عن ذنب إنسي، ولا إنسي عن ذنب جني.

ومنهم من قال: لا يسألون سؤال استخبار واستفهام؛ أي: لماذا فعلتم؟ ولكن يسألون لم فعلتم يطلبون عن الحجة، لا عن نفس الفعل؛ لأن كل ذي مذهب ودين، إنما يفعل لحجة تكون له.

ومنهم من قال: لا يسألون عن ذنوبهم، ولكن يسألون عما في وجوههم من الأعلام من الاسوداد، وزرق العيون، وغير ذلك مما ذكر في الكتاب: أنها تكون للكفار، كقوله تعالى:وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [عبس: 40]، وقوله تعالىفَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ... } الآية [آل عمران: 106]، وما ذكر من أعلام المؤمنين من قوله:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22-23]، وقوله تعالى:ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ } [آل عمران: 107].

وقال بعضهم: لا يسأل الملائكة عن المجرمين؛ لأنهم يعرفون بسيماهم كقوله - عز وجل -: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } ذكر الله تعالى في كتابه للمجرمين أعلاما يعرفون في الآخرة بها على ما ذكرنا من اسوداد الوجوه؛ كقوله:

السابقالتالي
2