الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } * { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } * { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

قوله - عز وجل -: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } يقول - والله أعلم -: كذبت قبل قومك قوم نوح نوحا - عليه السلام - وآذوه، فصبر على التكذيب وأنواع الأذى، ولم يدع عليهم بالهلاك ما لم يرد الإذن بالدعاء عليهم بالهلاك من الله - تعالى - فاصبر أنت على تكذيب القوم وأنواع الأذى، وهو كقوله تعالى:فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 35].

فإن قيل: ما الحكمة في تكرار هذه الأنباء في القرآن، ولم يكرر ما فيه من الأحكام؟

قيل: إن هذه الأنباء والقصص إنما جاءت لمحاجة أهل مكة وأمثالهم من الكفرة في إثبات الرسالة والتوحيد والبعث؛ إذ هم المنكرون لهذه الأشياء، وهم كانوا أهل عناد ومكابرة، وفيهم - أيضاً - مسترشدون، ومن حق المحاجة مع [من] ذكرنا وأمثالهم أن تعاد الحجة مرة بعد مرة؛ لعلهم يقبلونها في وقت، وتنجع في قلوبهم في وقت، وإن لم تنجع في وقت، ومن حق الموعظة للمسترشدين - أيضاً - أن تكرر ليتعظوا؛ إذ يختلف ذلك باختلاف الأحوال، وقد ذكرنا فوائد تكرارها واقتصار الأحكام فيما تقدم، والله أعلم.

فإن قيل: إن نوحا - عليه الصلاة والسلام - قد دعا على قومه بالهلاك.

قيل: إنما دعا على قومه بالهلاك بعدما أيس من إيمانهم؛ حيث قيل:أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [هود: 36]، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤيسه عن إيمان قومه جملة؛ إنما يؤيسه عن بعض بطريق التعيين، وهم قوم علم الله أنهم لا يؤمنون، لا عن الكل؛ فلذلك لم يؤذن بالدعاء عليهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } يحتمل: كذبوه فيما ادعى لنفسه الرسالة.

أو كذبوه فيما دعاهم إليه بالتوحيد وتوجيه الشكر إلى الواحد القهار.

وقوله - عز وجل -: { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } ، أي: قالوا لأتباعهم: إنه مجنون.

وقوله - عز وجل -: { وَٱزْدُجِرَ } ، أي: نوح - عليه السلام - حيث قالوا لقومهم: لا تتبعوه، وزجروهم عنه بقولهم: إنه مجنون؛ فهذا منهم زجر لأتباعهم عن اتباعه؛ فصار لذلك نوح - عليه السلام - مزدجرا عن القوم، وصار القوم مزدجرين عنه.

وقال بعضهم: زجروا نوحا - عليه السلام - أي: منعوه عن إظهار ما أتاهم من الآيات على رسالته، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } ، أي: مغلوب بالسفه والمكابرة وأنواع الأذى؛ إذ لا يحتمل أن يكون مغلوبا بالحجج، فانتصر لعبدك عليهم.

وقوله - عز وجل -: { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } يحتمل قوله - تعالى -: { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ } أي: من فوق؛ لأن ما كان من فوقك فهو سماء؛ فيحتمل أن يكون ذلك من البحر بفوق الذي ذكر أنه بين السماء والأرض.

السابقالتالي
2 3 4