الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } * { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } * { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } * { وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } * { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } * { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ }

قوله - عز وجل -: { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } أي: قربت القيامة؛ سمى الله - سبحانه وتعالى - القيامة بأسماء مختلفة: مرة الآزفة، ومرة: الساعة، ومرة: القيامة؛ فسماها: آزفة؛ لقربها إلى الخلق ووقوعها عليهم، وكذلك الساعة.

وقوله - عز وجل -: { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } ، دلت الآية على أن الله - تعالى - لم يؤت علم قيام الساعة ووقوعها أحداً، وهو كقوله تعالى:لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأعراف: 187]، وللباطنية أدنى تعلق في هاتين الآيتين؛ لأنهم قالوا: إن الآخرة للحال كائنة، لكنها مختفية مستترة، تظهر وتكشف عند فناء هذه الأجسام، وذهاب هذه الأبدان؛ ويستدلون بقوله - تعالى -لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأعراف: 187]، وبقوله - تعالى - { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } ، ويقولون: إن لفظ التجلي والكشف إنما يستعملان فيما هو كائن ثابت يظهر عند ارتفاع التواتر، وما يخفيها إلا في الإنشاء ابتداء.

ولكن عندنا: أن حرف الكشف والتجلي يستعمل في ابتداء الإحداث والإنشاء، وفي إظهار ما كان كامنا خفيّاً، فإذا كان كذلك، بطل استدلالهم بذلك، وهو كقوله - تعالى -:عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ } [الأنعام: 73]، هو عالم بما كان خفيّاً بحق الخلق وما هو شاهد ظاهر، وعالم بما يكون وبما هو كائن للحال، والله الموفق.

وقوله - عز وجل -: { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ } كانوا تعَجَّبوا من أمرين:

أحدهما: من بعث الرسل؛ كقوله - تعالى -:بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ق: 2].

ومن البعث بعدما يفنون ويتلفون؛ كقوله - تعالى -وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً... } الآية [الرعد: 5].

وقوله - عز وجل -: { وَتَضْحَكُونَ } الضحك - هاهنا - كناية عن الاستهزاء، ليس على حقيقة الضحك.

أو يكون الضحك كناية عن السرور؛ أي: تسرون على ما أنتم عليه.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَبْكُونَ } أيضاً ليس على حقيقة البكاء، ولكن كناية عن الحزن، أي: ولا تحزنون على ما فرط منكم من الأعمال وسوء الصنيع والمعاملة.

وقوله - عز وجل -: { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } ، [أي]: لاهون، معرضون.

وعن الحسن وسعيد بن جبير: سامدون: غافلون.

وقيل: سامدون: حزنون على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغائظون على ما أنزل عليه.

وعن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله - تعالى - { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } قال: هو الغناء بلغة اليمن؛ يقول اليماني: اسمد لنا: أي: غن لنا؛ قال: كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا.

وقوله - عز وجل -: { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } الآية، أي: اخضعوا لله، واستسلموا له؛ إذ الأمر بالسجود عند التلاوة في غير سجود الصلاة، أمر بالخشوع له والاستسلام، والأمر بالسجود - هاهنا - للتلاوة؛ للأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم أجمعين:

روى الأسود عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة النجم، فسجد فيها، ولم يبق معه أحد إلا سجد، إلا شيخ من قريش؛ فإنه أخذ كفّاً من حصا، فرفعه إلى جبهته، [وقال: يكفيني هذا، قال ابن مسعود: فلقد رأيته بَعْدُ قُتِلَ كافرا].

السابقالتالي
2