الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } * { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } * { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } * { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } * { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } * { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } * { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } * { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } * { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } * { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } * { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } * { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } * { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } * { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } * { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ }.

قيل: المراد: هو النجوم أنفسها، فأقسم بها على أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما ضل وما غوى؛ على ما قاله الكفرة؛ وبه يقول الأصم.

وقيل: أراد بقوله: { وَٱلنَّجْمِ }: نزول القرآن نجما فنجما، على التفاريق أقسم بالقرآن: إنه لم يضل، ولم يغو.

وقال مجاهد: أقسم بالثريا إذا غاب، والعرب تسمي الثريا - وهي ستة أنجم ظاهرة -: نجما.

وقال أبو عبيد: أقسم بالنجم إذا سقط في الغور؛ فكأنه لم يخص الثريا دون غيره.

فإن كان التأويل هو الأول فهو لما جعل الله تعالى للنجوم محلاًّ في قلوب الخلق وأعلاما يستخرجون بها جميع ما ينزل بالخلق، وما يكون لهم من المنافع والمضار من كثرة الأنزال والسعة والضيق، وما ينزل بهم من المصائب والشدائد، وما يكون من انقلاب الأمور، وما جعل فيها من المنافع من معرفة القبلة، وطرق الأمكنة النائية، ومعرفة الأوقات وغيرها مما يكثر عدها، فأقسم بنفسها، أو بالذي أنشأ النجوم، وما جعل فيها من المنافع: أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما ضل وما غوى.

وإن كان النجم هو النجوم التي أنزل القرآن فيها نجوما على التفاريق، فالقسم بالذي أنزل القرآن على التفاريق.

وقوله - عز وجل -: { إِذَا هَوَىٰ }؛ أي: سقطت، كقوله تعالى:فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } [الواقعة: 75] أي: بمساقطها.

والأشبه: أن يكون قوله: { إِذَا هَوَىٰ } أي: إذا سارت سيراً دائماً في سيرها؛ لأنها أبدا تكون في السير، وفي سيرها منافع الخلق من الاهتداء للطرق وغيرها، ولما ليس في مساقط النجوم وغيبوبتها كثير حكمة حتى يقسم بذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ }.

يخرج على وجهين:

أحدهما: أي: ما ضل عما نزل به القرآن، وعما أمر به؛ لأنهم كانوا يدعون عليه الضلال: أن خالف دينهم ودين آبائهم، فقال: ما ضل هو عما أمر به، وما غوى.

والثاني: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ }؛ إذ ليس بساحر؛ ولا شاعر؛ لأنهم كانوا يقولون: إنه شاعر وإنه ساحر، فقال: ليس هو كذلك ما ضل بالسحر، وما غوى بالشعر؛ على ما قالوَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } [الشعراء: 224] [بل] رشد واهتدى، وهو ما قال: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي: ما ينطق عما يهوي به نفسه؛ بل إنما ينطق عن الوحي بقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } ، وإلا جائز أن يصرف قوله تعالى: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } إلى الله تعالى؛ إذ الله تعالى قد أضاف تعليمه إلى نفسه بقوله - عز وجل -:ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [الرحمن: 1-2] لكن أبان بقوله: { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ }: أن المراد غيره؛ إذ هو لا يوصف بأنه { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } ، وهو جبريل - عليه السلام - على ما قال أهل التأويل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6