الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } * { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } * { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ }

قوله - عز وجل -: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ... } الآية.

يخرج تأويل هذه الآية على وجوه، وإلا ليس في هذا الموضع لظاهر قوله - عز وجل -: { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } - جوابٌ، ولا لقوله: { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ }.

أحدها: أن يقول: أهؤلاء الذين تعبدونهم - من اللات والعزى ومناة - أخبروكم، وقالوا لكم: إنه اصطفى لنفسه البنات، ولكم البنين، وأن الملائكة بنات الله، ونحوه؟ أخذتم ذلك منها أو ممن أخذتم ذلك، وأنتم قوم لا تؤمنون بالرسل والكتب؟ وقد عرفوا أنها لم تخبرهم بذلك، فيذكر بذلك سفههم، ويقول: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } التي سميتموها: آلهة، وعبدتموها دون الله، ونسبتكم البنات إليه، والبنين إلى أنفسكم، ثم لم يذكر جوابها: أنه مَنْ أمرهم بذلك؟ ومن اختار لهم ذلك؟ أو ممن أخذوا ذلك؟

ثم قال: { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ... } الآية؛ كأنه يقول والله أعلم: إنكم سميتموها: آلهة، واخترتم لأنفسكم البنين وله البنات بلا سلطان ولا حجة لكم، إنما هي أسماء سيمتموها أنتم وآباؤكم بلا حجة ولا سلطان، إنما هو هوى النفس والظن.

ويحتمل أن يقول: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } ، أمروكم بصرف شكر ما أنعم الله تعالى عليكم، وقبول ما وهب لكم من البنات؛ على ما أخبر أنها من مواهب الله بقوله تعالى:يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } [الشورى: 49] وبرد مواهبه: ودفنها حيات، ودسها في التراب، وبصرف العبادة إلى غير المنعم، وقسمة البنين لأنفسكم والبنات له.

ثم أخبر، وقال: { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } أي: تلك قسمة جور وظلم؛ أي: صرف شكر المنعم إلى غير المنعم، وتوجيه العبادة [إلى] من لا يستحقها، ورد مواهبه.

على هذه الوجوه يشبه أن تخرج الآية، وإلا فلا ندري بظاهرها: ما تأويلها؟ وما جواب هذا الحرف؟ والله أعلم.

ثم قوله: { ٱللاَّتَ } قرأ مجاهد وغيره مشدد التاء، فقالوا: هو رجل كان يقوم على آلهتهم، ويلت لها السويق بالزيت، فيطعمه الناس.

وروى ابن الجوزي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: " كان يلت السويق للحاج ".

ومن قرأه مخفف التاء جعله اسم الصنم؛ مثل: العزى، ومناة، وهي آلهة كانوا يعبدونها؛ ذكر قتادة في تفسيره: كان اللات بالطائف، والعزى ببطن نخلة، ومناة بقديد.

وقوله - عز وجل -: { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ }.

قال القتبي: هي في الأصل " ضَيْزَى " على وزن " فَعْلَى " ، فكسرت الضاد للياء، وليس في النعوت " فِعْلى "؛ أي: قسمة جائرة.

وقال أبو عوسجة: { ضِيزَىٰ } أي: غير منصفة، والضيز في الأصل: الجور.

السابقالتالي
2