الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } * { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } * { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }

قوله - عز وجل -: { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ }.

يخبر عن عناد أولئك الرؤساء ومكابرتهم، وإنما قالوا ما قالوا على التعنت، لا على الاسترشاد، وأن هذه الآيات من قوله:أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ... } [الطور: 32] إلى قوله: - عز وجل -:أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } [الطور: 43] كلها محاجة مع أولئك الرؤساء المعاندين؛ يبين ذلك قوله تعالى: { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } يقول: إنهم وإن يروا ما توعدهم من عذاب ينزل بهم يقولوا - لتعنتهم ومكابرتهم -: إنه سحاب، ليس بعذاب، وهو كما قال:وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } [الأنعام: 111]، يخبر عن عنادهم، وكقوله - عز وجل -:أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [سبأ: 9] لا يؤمنون، ويقولون: ما ذكر إنه سحاب مركوم؛ تعنتا ومكابرة.

ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عنهم وألا يشتغل بهم؛ لما علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون، وهو ما قال - عز وجل -: { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } يؤيس رسوله صلى الله عليه وسلم عن إيمانهم، ويأمره بالصبر على أذاهم، وترك المكافأة لهم، ويخبر أنهم لا يؤمنون إلا في اليوم الذي فيه يصعقون، أي: يموتون.

ثم قرئ قوله: { يُصْعَقُونَ } بفتح الياء وضمه؛ فمن قال بالنصب، احتج بقوله:فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [الزمر: 68]، ولم يقل فَصُعِقَ.

ثم يحتمل الصعقة التي ذكر: ما ذكرنا؛ أي: يموتون.

ويحتمل: أي: تنزل بهم الشدائد والأوجاع، ولكن لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت؛ لأنه إيمان دفع العذاب عن أنفسهم.

وقوله - عز وجل -: { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ }.

برسول الله صلى الله عليه وسلم عما ينزل بهم يومئذ؛ جزاء على كيدهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل ألا يغنيهم من عذاب الله تعالى الأصنام التي عبدوها؛ رجاء أن تشفع لهم، أو تقربهم إلى الله زلفى؛ كما أخبر - عز وجل -، والله الموفق.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ }.

قال أهل التأويل: أي: لمشركي أهل مكة عذاب دون عذاب النار، وهو القتل بالسيف يوم بدر.

ويحتمل أن يكون قوله: { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، أي: للكفرة عذاب في الدنيا دون الذي ذكر في يوم القيامة؛ حيث قال: { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } ، ثم قال: { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } ، وهم ما داموا كفارا فهم في عذاب، يكونون في خوف وذل وخزي؛ فذلك كله عذاب الله، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3