الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } * { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } * { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } * { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } * { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } * { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } * { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } * { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } * { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

قوله: { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ }.

أي: بما أنعم عليك من النبوة والقرآن لست بكاهن ولا مجنون.

ثم هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: أي: إنك لم تقابل نعمة ربك [بذلك،] عوفيت وعصمت عما ذكروا من الجنون، والسحر وغير ذلك، والله أعلم.

دلت هذه الآية على أنهم قالوا له: إنه كاهن، ومجنون، وكذا كانت عادة أولئك أنهم ينسبون الحجج عند عجزهم عن مقابلتها إلى السحر، والأنباء المتقدمة إلى الكهانة، وخلاف الرسل - عليهم السلام - لقادتهم وفراعنتهم إلى الجنون، والكلام المستملح والنظم الجيد إلى الشعر؛ تلبيسا للأمر على أتباعهم، هذه كانت عادتهم، مع العلم منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كذلك، ولا اختلف إلى أحد من الكهان ولا السحرة ولا كان القرآن على نظم الشعر؛ إذ عجزوا عن إتيان مثله، وهم عن الشعر غير عاجزين، ثم لما عجزوا عن مقابلة ما آتاهم من الحجج قالوا: { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } ، أي: عن قريب يرجعون إلى ديننا، وإلى ما نحن فيه، وكانوا يقولون للضعفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمداً يموت ويصير الأمر لنا؛ فترجعون إلينا؛ فقال تعالى: { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } ، أي: تربصوا ذلك؛ فإني متربص ذلك بكم؛ فكانوا جميعاً أو عامتهم - أعني: الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه شاعر نتربص به ريب المنون - أهلكوا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فحل بهم ما ظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

قال القتبي: ريب المنون: حوادث الدهر وأوجاعه ومصائبه، والمنون: الدهر.

وقال أبو عوسجة: ريب المنون، أي: المنية، وريبها: ما تأتي به.

وقوله - عز وجل -: { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ } قد ذكرنا في غير موضع معنى حرف " أم " أي: ليست لهم عقول تأمرهم بذلك، أي: من يأمر بهذا فليس بعاقل.

والثاني: على تسفيه أحلامهم، أي: أي عقل يأمر بعبادة الأصنام، وينهى عن عبادة الله تعالى؟! أي: لا عقل يأمر به.

وقوله: { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }.

أي: طاغون في ذلك، والطغيان: هو المجاوزة عن الحد في العداوة.

وقوله: { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } أي: يعلمون أنك لست بمتقول، ولكن ينسبونك إلى التقول، لتكذيبهم بآيات الله تعالى؛ وهو ما ذكر في آية أخرى:فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } [الأنعام: 33] - بالتخفيف والتشديد -وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33] يقول: إنهم لا يقولون: إنك كاذب فيما تقول، ولا ينسبونك إلى الكذب، ولكن إنما يكذبون الآيات، ويعتقدون كذبها؛ فعلى ذلك تقوله على علم منهم: أنك لم تتقول، ولكن اعتقدوا تكذيب الآيات والجحود لها، فيقولون: إنك تتقول من [عند نفسك]، قال: { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } ، أي: لو كانوا صادقين بأن محمداً يتقول على الله، فليأتوا بمثل ما أتى به محمد.

السابقالتالي
2 3 4