الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } * { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } ، والإشكال: كيف ذكر أن المتقين في جنات وعيون، وهم يكونون في جنات، ويكونون في العيون بحيث يرونها، وتقع عليها أبصارهم، وينتفعون بها؟ وهو كقوله تعالى:يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } [الدخان: 53]، وإنما هم يلبسون السندس، فأما الإستبرق فهو البسط، وغير ذلك من الانتفاع به؛ فعلى ذلك ما ذكر من كون المتقين في جنات وعيون، يكونون في الجنة، وينتفعون بالعيون، والله أعلم.

ثم قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } ، أي: الذين اتقوا الشرك والكفر.

ويحتمل: الذين اتقوا مخالفة الله على الإطلاق: عملا، وقولا، وفعلا، واعتقادا.

ويحتمل: أي: الذين اتقوا المهالك.

وقوله - عز وجل -: { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } يحتمل وجهين:

أحدهما: أي: قابلين ما آتاهم ربهم في الدنيا من القدرة والقوة والمال بحق الله تعالى، والقيام بشكره، والعبادة له، والاستعمال في طاعته؛ لذلك قال: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي: قبلوا ذلك بحق الإحسان، فاستعملوها في حق الله تعالى والقيام بطاعته.

وعلى هذا التأويل كأنه على التقديم والتأخير: إن المتقين في جنات وعيون؛ إنهم كانوا قبل ذلك محسنين، آخذين ما آتاهم ربهم، أي: إنما نالوا الجنة؛ لما أنهم كانوا في الدنيا كذلك.

والثاني: ما قاله أهل التأويل: آخذين ما آتاهم ربهم في الآخرة، أي: راضين بما أعطاهم الله من النعيم في الجنة، وهو كقوله تعالى:رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [المائدة: 119]، وعلى هذا يخرج تأويلهم.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } في الدنيا.

ثم نعت إحسانهم فقال - عز وجل -: { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.

قال أهل التأويل جميعا: أي: يصلون.

وإنما حملوه عليها؛ لأن الاستغفار طلب المغفرة، وذلك مرة بالصلاة، ومرة باللسان، ومرة بدفع المال.

ويحتمل حقيقة الاستغفار أيضا، وإنما مدحهم بذلك؛ لأن أرجى وقت الاستغفار وقت السحر؛ لما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال لنافع: " إذا كان وقت السحر فأعلمني به ". فكان هو يصلي إلى وقت السحر، ثم يدعو ويستغفر في ذلك الوقت.

وقوله - عز وجل -: { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } قال بعضهم: إن الآية في الزكاة، لكن هذا لا يحتمل؛ لأن السورة مكية، ولم يكن بمكة الصدقة المفروضة؛ إلا أن يقال: إن السورة مكية إلا هذه الآيات إن ثبت.

وجائز أن يكون ذلك الحق ليس هو المفروض، ولكن حق سوى الفرض.

وقيل: إن الآية نزلت في قوم خاص جعلوا على أنفسهم ألا يردوا سائلا ولا محروماً ولا يمنعوا أموالهم من أحد؛ فمدحهم بذلك؛ ألا ترى أن ذكر الحق للسائل والمحروم؛ وقد بين مصارف الزكاة للأصناف الثمانية بقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3