الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } * { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } * { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } * { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } * { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ } * { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } * { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } * { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } * { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } سئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن هذه الآية فقال: { وَٱلذَّارِيَاتِ } هي الرياح، { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } هي السحاب، { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } هن السفن، { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } هي الملائكة.

وعلى هذا خرج تأويل عامة أهل التأويل، إلا ابن مسعود - رضي الله عنه - فإنه قال: { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } هي الملائكة.

ثم يحتمل أن تصرف هذه الأحرف كلها من { وَٱلذَّارِيَاتِ } وغيرها إلى الرياح خاصة؛ فالذاريات من تذرى الأشياء ذروا { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } هن يحملن السحاب وغيره في الآفاق.

وجائز أن يصرف كل حرف من ذلك إلى نوع وجنس، على ما حمله أهل التأويل، وصرفوه إليه.

قال القتبي: ذرت الريح تذرو ذروا، ومنه قوله تعالى:فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ } [الكهف: 45]، ومنه ذريت البر؛ لأن التذرية لا تكون إلا بالريح، وتذريت أي: أشرفت من الذروة، وذرى الرجل يذرى ذرى، فهو أذرى أي: أشمط، وشاة ذرا: إذا كان في ذنبها بياض.

{ فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } أي: سهلا، أي: تجري السفن في الماء جريا سهلا.

وقال أبو عوسجة، أي: هينا.

ثم المقسمات أمرا هم الملائكة، واختلفوا في التقسيم:

قال بعضهم: أربعة أملاك يقسمون الأمور؛ فجبريل - عليه السلام - ينزل في إنزال العذاب والشدائد، وميكائيل ينزل في إنزال النعمة والرخاء والرحمة، وإسرافيل في نفخ الصور، وملك الموت في قبض الأرواح؛ فكل واحد من هؤلاء موكل في أمر على حدة.

وقال بعضهم: هم الملائكة الذين ينزلون بالوحي، يأخذ هذا من هذا؛ إذ لله تعالى أن يرسل الوحي على يدي من يشاء من ملائكته، والله أعلم

ثم اختلف في ذكر هذه الأشياء من الرياح والسفن، والسحاب والملائكة، لماذا؟

قال عامة أهل التأويل: إنما ذكرها على القسم بها.

وقال بعضهم: إنما ذكرها على سبيل تعداد النعم والمنافع التي جعلها الله لهم.

واحتج هؤلاء وقالوا: إن الله تعالى نهانا عن القسم بغيره، فكيف [يقسم] بغيره فيكون ذكر هذه الأشياء على الامتنان، لا على القسم.

والقائلون بالقسم اختلفوا: فمنهم من يقول: القسم بأعيان هذه الأشياء؛ لعظم منافع [هذه] الأشياء عند الخلق.

ومنهم من يقول: إن القسم بالله تعالى لا بعين هذه الأشياء؛ على الإضمار؛ كأنه قال: والذي ذرا الذاريات ذروا، والذي خلق الحاملات وقرا، فالجاريات يسرا، والمقسمات أمرا، وهو كقوله تعالى:فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الذاريات: 23]؛ فيكون القسم بخالق هذه الأشياء لا بأنفسها، وكل واحد من الوجهين [محتمل]؛ لأن القسم خرج لرفع شبهة الكفرة في البعث وارتيابهم فيه بعدما أقام عليهم حجج البعث وبراهينه على أنه كائن لا محالة، ونظروا فيها لزوال ذلك الارتياب والشبهة عنهم، والقسم؛ لتأكيد ما وقع عليه بما يكون عندهم له حرمة وقدر وعظمة، قيد لهم ذلك على تأكيد الخبر المقرون بالقسم، فالقسم من الله تعالى بأنه خالق هذه الأشياء المذكورة مما يجل ويعظم عند الكفرة، لما كانوا يقسمون بالله تعالى عند عظم الأمور، كما أخبر تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6