الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } * { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }

قوله - عز وجل -: { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } ، كأن هذا صلة قوله - عز وجل -:فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [طه: 130]، وانتظر { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } ، ولا تكافئهم، ولا تنتقم منهم، ولكن اصبر وانتظر ذلك اليوم.

ثم قوله: { يَوْمَ يُنَادِ } يخرج على وجهين:

أحدهما: كقوله تعالى:يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } [القمر: 6]، { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } ، أي: يوم يدعوهم الداعي إلى شيء أنكروه.

والثاني: ما ذكر من نداء بعض لبعض؛ كقوله:وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } الآية [الأعراف: 44]، وقوله:وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 50]، يقول - عز وجل -: انتظر يوم ينادون ويدعون إلى ما أنكروا، ويوم يناد بعضهم بعضا.

وقوله - عز وجل -: { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي: من مكان يسمعون ما ينادون ويدعون، ويعرفون ما يراد بالدعاء، ومن يراد به، ينتهي ذلك الدعاء والنداء إلى كلٍّ في نفسه حتى يعرفه.

وذكر أهل التأويل: أن المنادي هو جبريل - عليه السلام - ينادي عند بيت المقدس بنداء يسمعه كل أحد، وبيت المقدس أرفع مكان في الأرض، وهو يقرب من السماء بكذا كذا ذراعاً، فهو المكان القريب.

ولكن هذا لا معنى له؛ فإنه يسمع صوته جميع الخلائق وإن لم يقم في ذلك المكان، وليس المراد من القرب ما ذكروه، ولكن على الإسماع في أي موضع كانوا، ومن يسمع شيئا فذلك منه قريب، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ } الصيحة: النفخة، أو النداء الذي ذكر.

ثم قوله تعالى: { بِٱلْحَقِّ } ، يحتمل وجهين:

أحدهما: أي: يستمعون الصيحة بما أوعدهم الرسل من المواعيد؛ فيتحقق لهم ذلك في ذلك اليوم.

و[الثاني]: يحتمل: { بِٱلْحَقِّ } ، أي: تحقق ذلك اليوم؛ لأن الرسل - عليهم السلام - قد أخبروهم بذلك اليوم، وهم أنكروه.

أو بالحق الذي لبعضهم على بعض، أي: يستوفي بعض من بعض ما لهم من الحق في ذلك اليوم، وأمروا بأداء الحقوق في ذلك اليوم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } قيل: يوم الخروج من قبورهم.

وقيل: يوم الخروج والبروز إلى الله تعالى.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ } ، أي: نحيي الموتى، ونميت الأحياء؛ أي: نحن نملك ذلك، لا يملك أحد ذلك غيرنا.

وقوله - عز وجل -: { وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } ، خص ذلك اليوم بالمصير إليه، وإن كانوا في الأوقات كلها صائرين إليه؛ لما ذكرنا من الوجوه في غير موضع، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً }.

يحتمل أن يكون ما ذكر من السراع هو صفة تشقق الأرض، كأنه يقول: يوم تشقق الأرض سراعا، لا تنتظر طرفة عين، ولكن تتشقق أسرع من لمحة البصر.

السابقالتالي
2