الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ } * { وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } * { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } * { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } * { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

قوله - عز وجل -: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ذكر هذه الأنباء لوجهين:

أحدهما: يصبّر رسوله على أذى قومه وتكذيبهم إياه كما صبر أولئك يقول: إنك لست بأول رسول كذبه قومه، بل كان قبلك رسل كذبهم قومهم، فصبروا على ذلك؛ فاصبر أنت - أيضاً - وهو كقوله:فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 35].

والثاني: يحذر قومه أن ينزل بتكذيبهم إياه وسوء معاملتهم به كما نزل بمن ذكر من الأقوام بتكذيبهم وسوء معاملتهم.

وعلى هذين المعنيين جميع ما ذكر في القرآن من الأنباء، والله أعلم.

ثم أصحاب الرس اختلف في الرس:

[قيل]: هو بئر دون اليمامة، وكان عندها أقوام كذبوا رسلهم، فأهلكهم الله تعالى.

وقيل: الرس: هو الوادي.

وقال بعضهم: الرس: هو خد خدوه وجعلوا فيه الناس، وأحرقوا فيها نبيهم، عليه السلام.

وقال بعضهم: سموا بذلك لأنهم رسوا نبيهم - عليه السلام - في البئر.

وقال بعضهم: هم قوم الرسل الذين ذكرهم في سورة يس بقوله - تعالى -:إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [يس: 14].

وعن الأصم أنه قال: الرس: كل موضع خدّ فيه؛ ولذلك سمي الخد: خدّاً؛ لجري الدمع عليه، والله أعلم.

وقوله: { وَإِخْوَانُ لُوطٍ } أي: قوم لوط.

وقوله: { وَقَوْمُ تُّبَّعٍ } قيل: إنه كان رجلا مسلماً صالحاً، مدحه الله - تعالى - وذم قومه، سمي: تبعاً؛ لكثرة أتباعه.

ولا حاجة بنا إلى تفسيره بأنه من كان؟ وما اسمه؟ كما ذكر بعض أهل التأويل؛ لما لم يذكر في القرآن، ولم يثبت بالتواتر، فلا نزيد على ذلك القدر؛ احترازاً عن الكذب، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } يخوف أهل مكة أن أولئك الذين ذكرهم جميعاً قد أهلكوا بتكذيبهم الرسل، فحق عليهم الوعيد بذلك؛ فعلى ذلك يحق عليكم ذلك الوعيد بتكذيب الرسول، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } هو يخرج على وجهين:

أحدهما: { أَفَعَيِينَا } أي: أعجزنا عن الخلق؛ أي: حيث لم نعجز عن الخلق الأول، فكيف نسبونا إلى العجز عن الخلق الثاني؟!

والثاني: { أَفَعَيِينَا } أي: أجهلنا وخفي علينا تدبير الخلق الثاني، وابتداء تدبير الخلق الأول وإنشاؤه أشد عندكم من إعادته، والإعادة عندكم أهون، فإذا لم نعجز عن ابتداء إنشائه، ولم نجهل، ولم يخف علينا الابتداء، فأنّى نعجز عن الإعادة؟!

ثم قال بعضهم: الخلق الأول هو آدم، عليه السلام.

وقال عامتهم: هو ابتداء خلقهم، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5