الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً }.

أخبر الله - تعالى - أن صيد البحر وطعامه حلال للمحرم، ثم اختلف أهل التأويل في تأويله.

قال بعضهم: " صيده: ما صيد، وطعامه: ما قذف في البحر " ، كذلك روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: " صيده: ما صيد، وطعامه: ما قذف ".

وعن أبي بكر وابن عباس - رضي الله عنهما - قالا: " طعامه: ما قذف ".

وقال بعضهم: صيده: ما أخذ طريّاً، وطعامه: مليحة.

وقوله - عز وجل -: { مَتَاعاً لَّكُمْ }: أي: منفعة لكم، أي: للحاضر { وَلِلسَّيَّارَةِ }: أي: للمسافر.

وعن بعضهم: صيده: ما صدت طريا، وطعامه: ما تزودت في سفرك مليحا.

ثم يجيء على قول أصحاب الظاهر: أن يكون كل صيد البحر وطعامه حلالا مباحاً بظاهر قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ... } الآية، وكذلك ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ " أنه لم يخص ميتة دون ميتة، ولا طعاماً دون طعام، غير أن المراد عندنا رجع إلى السمك خاصة؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم قال: " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا المَيْتَتَانِ: فَالجَرَادُ والسَّمَكُ... " دل الخبر أن المراد من الآية والخبر رجع إلى السمك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: مبهمة، لا يحل لك أن تصيده ولا أن تأكله.

وروي عن علي - رضي الله عنه - وهو محرم أنه دعي إلى طعام، فقرب إليه يعاقيب وحجل، فلما رأي ذلك علي قام، وقام معه ناس؛ فقيل لصاحب الطعام: ما قام هذا ومن معه إلا كراهية لطعامك؛ فأرسل إليه، فجاء، فقال: ما كرهت من هذا، ما أشرنا، ولا أمرنا ولا صدنا.

قال علي - رضي الله عنه -: " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً " ثم انطلق.

وعن عثمان - رضي الله عنه - مثله أو قريباً منه.

وأما عندنا: فإنه يحل للمحرم أن يأكل لحم الصيد إذا لم يصده هو ولا صيد له؛ لما روي عن أبي قتادة - رضي الله عنه - " أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض الطريق بمكة تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، فرأى حمار وحش، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطاً، فأبوا، فسألهم رمحه، فأخذه، ثم اشتد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحابه، وأبى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك، فقال: " إِنَّمَا هِي طُعْمَةٌ أَطَعَمَكُمُوهَا اللهُ سُبْحَانَهُ " ، وقال: " هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ " ".


السابقالتالي
2 3 4