الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

قوله - عز وجل -: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } وليس فيه بيان أنه ابتلي بالأمر فيه أو بالنهي، لكن بيانه في آية أخرى: أن الابتلاء إنما كان بالنهي عن الاصطياد بقوله:وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } [المائدة: 2] دل هذا على أن المحرم كان منهيّاً عن الاصطياد: [بقوله: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ } ]، وأن الابتلاء الذي ذكر في الآية كان بالنهي عن الاصطياد، والله أعلم.

ثم اختلف في الآية:

قال بعضهم: النهي بشيء من الصيد لأهل الحرم؛ ألا ترى أنه روي في الخبر قال: " لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُّهَا، وَلا يُخْتَلى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا " فكان الابتلاء بالنهي عن الصيد لأهل الحرم؛ لما أخبر أنه لا ينفر صيدها، وأما المحرم فإنما نهي عن الاصطياد بقوله:وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } [المائدة: 2] وبقوله: { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [المائدة: 95].

وقال آخرون: الابتلاء بالنهي عن الاصطياد للمحرمين، وفي قوله: { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } نهي عن قتله، وهنالك نهي عن أخذه بقوله: { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ }.

وقوله - تعالى -: { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ }: أي: في بعض الصيد دون بعض؛ لأن المحرم لم ينه عن أخذ صيد البحر وإنما نهي عن أخذ صيد البر بقوله:أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } [المائدة: 96] [وقال - تعالى -]: { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } فذلك معنى قوله: { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } ، والله أعلم.

ويحتمل على التقديم والتأخير، كأنه قال: ليبلونكم الله بشيء تناله أيديكم ورماحكم من الصيد، والله أعلم.

ثم اختلف في قوله: { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ }:

قال بعضهم: ما تناله الأيدي هو البيض؛ وعلى هذا يخرج قولنا: إن المحرم منهي عن أخذ البيض، فإن أخذ بيضاً فإن عليه الجزاء، والذي يدل على ذلك ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فِي بَيْضِ النَّعَامِ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ ".

وعن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بيض نعام أصابه محرم بثمنه.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - عليه ثمنه أو قيمته.

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - مثله.

وقال بعضهم: تناله أيديكم: هو صيد الصغار، وهي الفراخ التي لا تطير فتؤخذ بالأيدي أخذا.

وقوله - عز وجل -: { وَرِمَاحُكُمْ } قال بعضهم: ما رميت وطعنت.

وقيل في قوله: { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ }: ما يؤخذ بغير سلاح، { وَرِمَاحُكُمْ }: ما يؤخذ بالسلاح من نحو: النبل، والرماح، وغيرهما من السلاح.

ثم في الآية دلالة أن المحرم قد نهي عن أخذ الصيد، وكذلك في قوله - تعالى -:وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } [المائدة: 2] والاصطياد: هو الأخذ لا القتل، وإنما النهي عن القتل في قوله: { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8