الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله - عز وجل -: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ... } الآية.

عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: { وَٱلْمَيْسِرُ }: القمار.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجْتَنِبُوا هَذِهِ الكِعَابَ المَوْسُومَةَ الَّتي تُزْجَرُ زَجْراً؛ فَإِنَّهَا مِنَ المَيْسِرِ ".

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - مثله.

وعن أبي موسى [الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم]: " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ ".

وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: " الميسر قمار ".

وعن علي - رضي الله عنه - قال: " لأن آخذ جمرتين من نار فأقلبهما في يدي أحبّ إليَّ من أن أقلب كعبتي نرد ".

وعن علي - رضي الله عنه - أيضاً قال: " الشطرنج هو ميسر الأعاجم ".

وعن مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وهؤلاء السلف قالوا: الميسر: القمار كله، حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان.

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لاَ جَلَبَ، وَلاَ جَنَبَ، وَلاَ شِغَارَ، وَلاَ وِرَاطَ فِي الإسْلاَمِ " وقيل: الوراط: القمار. وقيل: الجلب: هو أن يجلب وراء الفرس حتى يدنو أو يحرك وراءه الشيء يستحث به السبق. والجنب: هو الذي يجنب مع الفرس الذي به يُسَابَقُ فرسٌ آخر حتى إذا داناه تحول راكبه إلى الفرس المجنوب، فأخذ السبق.

وأجمع أهل العلم على أن القمار حرام، وأن الرهان على المخاطرة مثل القمار، وما روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه خاطر أهل مكة في غلبة الروم فارس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " زِدْهُمْ فِي الخَطَرِ وَأَبْعِدْهُمْ فِي الأَجَلِ " - فكان ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة في الوقت الذي لم ينفذ حكمه، فأما في دار الإسلام: فلا خلاف في أن ذلك لا يجوز، إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب والإبل، إذا كان الآخذ واحداً: إن سبق أخذ، وإن سُبق لم يدفع شيئاً، وكذلك إن كان السبق بين الرجلين أيهما سبق أخذ، [ودخل] بينهما فرس: إن سَبَقَ أخذ، وإن سُبِقَ يغرم صاحبه شيئاً - فهو جائز، ويسمى الداخل بينهما: المحلل.

فأما الرخصة فيه فما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نِصَالٍ " هذا الذي وصفنا كله من الميسر.

والأنصاب: هي الأحجار والأوثان التي كانوا ينصبونها، ويعبدونها، ويذبحون لها.

وأما الأزلام: فالقداح التي كانوا يستقسمون بها في أمورهم، ويستعملونها، ففيه دليل بطلان الحكم بالقرعة؛ لأن الاستقسام بالقداح هو أن كانوا يجعلون الثمن على الذي خرج سهمه أخيراً، ويتصدقون بما اشتروا على الفقراء، ففيه إيجاب الثمن على الغير، فيجعلون الأمر إلى من ليس له تمييز، فعوتبوا على ذلك، فعلى ذلك الحكم بالقرعة تسليم إلى من ليس له تمييز بين المحق وغير المحق، فيلحق هذا ما لحق أولئك.

السابقالتالي
2 3 4 5