الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ... } [الآية].

قال الحسن: [قول اليهود]: " يد الله مغلولة " ، أي: محبوسة ممنوعة عن تعذيبنا؛ لقولهم:نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18].

وقوله - عز وجل -: { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ }.

في الآخرة بالسلاسل إلى أعناقهم.

وقوله - عز وجل -: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }.

بالمغفرة والتعذيب؛ يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء.

قال ابن عباس - رضي الله عنه -: " قولهم: " يد الله مغلولة ": لا يعنون بذلك أن يده موثقة مغلولة حقيقة اليد والغل؛ ولكن وصفوه بالبخل، وقالوا: أمسك ما عنده؛ بخلا منه، تعالى الله عن ذلك.

وقال آخرون: إن الله - تبارك وتعالى - قد كان بسط على اليهود الرزق؛ فكانت من أخصب الناس وأكثرهم خيراً، فلما عصوا الله في محمد صلى الله عليه وسلم، وكفروا به، وبدلوا نعمة الله كفراً بالنعمة - كف الله - تعالى - عنهم بعض الذي كان بسط عليهم من السعة في الرزق؛ فعند ذلك قالوا: { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } ، لم يقولوا: يده مغلولة إلى عنقه، ولكن ممسكة عنهم الرزق، فلا يبسط كما كان يبسط؛ وهو كقوله:وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [الإسراء: 29]: نهى عن البخل في الإنفاق، لا أنه أراد حقيقة غل اليد إلى عنقه؛ فعلى ذلك قولهم: { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ }: كناية عن البخل ووصف به، لا حقيقة الغل، وبالله العصمة.

وتأويل قوله: { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } على هذا التأويل، أي: أيديهم هي الممسكة عن الإنفاق، وهم الموصوفون بالبخل والشح.

{ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } ، أي: نعمه مبسوطة: يوسع على من يشاء، ويقتر على من يشاء.

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: بل يداه يبسطان.

قال الفراء: يقال: وجه مبسوط، ووجه بسط.

ثم لا يحتمل أن يفهم من إضافة اليد إلى الله ما يفهم من الخلق؛ لما وجد إضافة اليد إلى من لا يحتمل أن يكون له اليد، من ذلك قوله - تعالى -:لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [فصلت: 42]: لا يفهم من القرآن اليد كما يفهم من الخلق؛ فعلى ذلك لا يجوز أن يفهم من إضافة اليد إلى الله - تعالى - كما يفهم من الخلق؛ ألا ترى أنه قال:ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [الحج: 10] وفَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30]، لم يفهم منه اليد نفسها؛ وكذلك قوله:ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [آل عمران: 182]، لكن أضيف ذلك إلى اليد؛ لما باليد يقدم ويعطي ويكسب؛ ألا ترى أنه قال - تعالى -:لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }

السابقالتالي
2 3 4