الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

قوله - عز وجل -: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ }:

ليس في السؤال بيان: مم كان سؤالهم؟ ولكن في الجواب بيان المراد من سؤالهم، فقال: { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ }؛ دل قوله - تعالى -: { أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ }: [أن سؤالهم كان عن الطيبات، مما يصطاد من الجوارح.

ثم اختلف في قوله - تعالى -: { أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } ]:

قال بعضهم: { ٱلطَّيِّبَاتُ }: هو المحللات، لكنه بعيد؛ لأنه كأنه قال: " أحل لكم المحللات "؛ على هذا التأويل. لكنه يحتمل وجهين غير هذا:

أحدهما: أن أحل لكم بأسباب تطيب بها أنفسكم من نحو: الذبح، والطبخ، والخبز، وغيره. لم يحل لكم ما يكره به أنفسكم التناول منه [غير مطبوخ، ولا مذبوح، ولا مشوي، ولكن أحل لكم بأسباب طابت بها أنفسكم التناول منه،] والله أعلم.

ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن أحل لكم ما يستطيب به طباعكم لا ما تنكره طباعكم وتنفر عنه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ }: كأنهم سألوا [رسول الله، صلى الله عليه وسلم]، عما يحل من الجوارح؟ فذكر ذلك لهم، مع ما ذكر في بعض القصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلاب، فأتاه أناس، فقالوا: ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزل قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ... } الآية.

وقيل: سميت: جوارح؛ لما يكتسب بها، والجوارح: هن الكواسب؛ قال الله - تعالى -: " أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ " [الجاثية: 21]، قيل: اكتسبوا، وجرح: كسب.

وقال أبو عبيد: سميت: جوارح؛ لأنها صوائد، وهو ما ذكرنا من الكسب، يقال: فلان جارح أهله، أي: كاسبهم.

وقال غيره: سميت: جوراح؛ لأنها تجرح، وهو من الجراحة، فإذا لم يَجْرح، لم يحل صيده.

واحتج محمد - رحمه الله - بهذا المعنى في صيد الكلب إذا قَتَلَ، ولم [يَجْرَح في مسألة] من كتاب الزيادات، ومما يدل على صحة ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض؟ فقال: " مَا أصَبْتَ بَعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْ؛ فَهُوَ وَقِيذٌ، وَمَا أَصَبْتَ بِحَدّهِ فَكُلْ " ".

وقوله - عز وجل -: { مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ... } الآية.

قال بعضهم: { مُكَلِّبِينَ } هن الكلاب يكالبن الصيد.

وقال القتبي: المكلبون: أصحاب الكلاب، وكذلك قال الفراء والكسائي: المكلبون: هم أصحاب الكلاب. والمكلب: الكلب المعلم.

وقوله - عز وجل -: { تُعَلِّمُونَهُنَّ }: قال الحسن [وأبو بكر]: تضرونهن، يقال: كلب مضراة على طلب الصيد، وهما يبيحان الصيد وإن أكل منه الكلب؛ فعلى قولهما يصح تأويل الإضراء؛ إذ يبيحان التناول، وإن أكل منه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6