قوله - عز وجل -: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ }: ليس في السؤال بيان: مم كان سؤالهم؟ ولكن في الجواب بيان المراد من سؤالهم، فقال: { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ }؛ دل قوله - تعالى -: { أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ }: [أن سؤالهم كان عن الطيبات، مما يصطاد من الجوارح. ثم اختلف في قوله - تعالى -: { أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } ]: قال بعضهم: { ٱلطَّيِّبَاتُ }: هو المحللات، لكنه بعيد؛ لأنه كأنه قال: " أحل لكم المحللات "؛ على هذا التأويل. لكنه يحتمل وجهين غير هذا: أحدهما: أن أحل لكم بأسباب تطيب بها أنفسكم من نحو: الذبح، والطبخ، والخبز، وغيره. لم يحل لكم ما يكره به أنفسكم التناول منه [غير مطبوخ، ولا مذبوح، ولا مشوي، ولكن أحل لكم بأسباب طابت بها أنفسكم التناول منه،] والله أعلم. ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن أحل لكم ما يستطيب به طباعكم لا ما تنكره طباعكم وتنفر عنه، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ }: كأنهم سألوا [رسول الله، صلى الله عليه وسلم]، عما يحل من الجوارح؟ فذكر ذلك لهم، مع ما ذكر في بعض القصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلاب، فأتاه أناس، فقالوا: ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزل قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ... } الآية. وقيل: سميت: جوارح؛ لما يكتسب بها، والجوارح: هن الكواسب؛ قال الله - تعالى -: " أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ " [الجاثية: 21]، قيل: اكتسبوا، وجرح: كسب. وقال أبو عبيد: سميت: جوارح؛ لأنها صوائد، وهو ما ذكرنا من الكسب، يقال: فلان جارح أهله، أي: كاسبهم. وقال غيره: سميت: جوراح؛ لأنها تجرح، وهو من الجراحة، فإذا لم يَجْرح، لم يحل صيده. واحتج محمد - رحمه الله - بهذا المعنى في صيد الكلب إذا قَتَلَ، ولم [يَجْرَح في مسألة] من كتاب الزيادات، ومما يدل على صحة ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض؟ فقال: " مَا أصَبْتَ بَعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْ؛ فَهُوَ وَقِيذٌ، وَمَا أَصَبْتَ بِحَدّهِ فَكُلْ " ". وقوله - عز وجل -: { مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ... } الآية. قال بعضهم: { مُكَلِّبِينَ } هن الكلاب يكالبن الصيد. وقال القتبي: المكلبون: أصحاب الكلاب، وكذلك قال الفراء والكسائي: المكلبون: هم أصحاب الكلاب. والمكلب: الكلب المعلم. وقوله - عز وجل -: { تُعَلِّمُونَهُنَّ }: قال الحسن [وأبو بكر]: تضرونهن، يقال: كلب مضراة على طلب الصيد، وهما يبيحان الصيد وإن أكل منه الكلب؛ فعلى قولهما يصح تأويل الإضراء؛ إذ يبيحان التناول، وإن أكل منه.