الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ } * { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ }.

قوله: { بِٱلْحَقِّ } قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع.

وقوله - عز وجل -: { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ }.

قد ذكرناه، أيضاً.

وقوله - عز وجل -: { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ }.

عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: مؤتمنا عليه.

والكسائي قال: المهيمن: الشهيد، وقيل: الرقيب على الشيء، قال: هيمن فلان على هذا الأمر؛ فهو مهيمن، إذا كان كالحافظ له والرقيب عليه.

وعن الحسن قال: { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } مصدقاً بهذه الكتب، وأميناً عليها.

والقتبي قال: أميناً عليه.

وأبو عوسجة قال: مسلطاً عليه. وقيل: مفسراً يفسر التفسير.

وقال أبو بكر الكيساني: قوله: { وَمُهَيْمِناً } هي كلمة مأخوذة من كتبهم معربة، غير مأخوذة من لسان العرب.

وفيه إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم، وتأويله: هو شاهد وحافظ على غيره من الكتب، ومصدقاً لها أنها من عند الله نزلت سوى ما غيروا فيها وحرفوا؛ ليميز المغير منها والمحرف من غير المغير والمحرف.

قال ابن عباس - رضي الله عنه - { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } ، يعني: القرآن شاهد على الكتب كلها.

وقوله - عز وجل -: { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ }.

يحتمل قوله: { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } من الرجم في الزاني الثيب، على ما ذكر في بعض القصة: أنهم رفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزاني والزانية منهم، فطلبوا منه الجلد، وكان في كتبهم الرجم.

{ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } قولهم: { إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ }.

أو أن يقال: احكم بينهم بما أنزل الله من القتل؛ لأنه ذكر في بعض القصة أن بني قريظة كانوا يرون لأنفسهم فضيلة على بني النضير، وكانوا إذا قتلوا منهم أحداً لم يعطوهم القود ولكن يعطوهم الدية، وإذا قتلوا هم أحداً منهم لم يرضوا إلا القود؛ فأنزل الله - تعالى -: { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } وهو القتل، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } في تركهم القود، وإعطائهم الدية، والله أعلم بالقصة أن كيف كانت، وليس بنا إلى معرفة القصة ومائيتها حاجة، بعد أن نعرف ما أودع فيه وأدرج من المعاني.

وقوله - عز وجل -: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً... } [الآية].

فإن قيل: كيف نهاه عن اتباع أهوائهم، وقد أخبر - عز وجل -: أنه جعل لكل شرعة ومنهاجا، وقد يجوز أن يكون ما هو هواهم شريعة لهم؟!:

قيل: يحتمل النهي عن اتباع هواهم؛ لما يجوز أن يهووا الحكم بشريعة قد نسخ الحكم بها لما اعتادوا العمل بها؛ فالعمل بالمعتاد من الحكم أيسر فهووا ذلك. أو كان ما نسخ أخف؛ فيهوون ذلك؛ فنهاه عن اتباع هواهم؛ لأنه العمل بالمنسوخ والعمل بالمنسوخ حرام.

السابقالتالي
2 3